رغم الدعوات إلى الإصلاح الجذري والتطلع إلى تدارك خطايا الاختيارات الحكومية السابقة، التي عطلت البلاد سنوات وسنوات، فإن أصواتاً بدأت تتعالى بالتوسع في توزير النواب، معتقدة أنهم أدرى بالخلل وسيكونون الأقدر والأجدر بتحقيق الإصلاح المنشود.

ومع خالص التقدير لمن يرى هذا الرأي، فإن عليه، إذا أراد أن يقنعنا بجدوى توزير النواب، أن يمحو من ذاكرة الكويتيين شواهد كثيرة على أن تلك الخطوة كانت كارثة على الحكومات المتعاقبة، بل على البلد أجمع، والمال العام، في أبشع انعكاس للفساد المالي والإداري الذي رسّخه معظمهم بتخبطاته وسياساته المنحازة.

Ad

إذا كان «المكبَّل لا يجري» كما يقولون، فكيف نريد من نائبٍ وزير تجمعت عليه قيود الاستحقاقات والديون الواجبة الأداء من كل حدب وصوب، أن ينطلق في الإصلاح، متجاهلاً تلك القواعد الانتخابية والأصوات التي وقفت إلى جانبه؟! هل سيرد طلبات هؤلاء الذين يطلبون منه ما ليس من حقهم بعدما أوصلوه إلى ما هو فيه؟ وإذا كان لديه من الضمير الكثير ومن الإرادة أكثر ورفض محاباتهم، ألن يفكر في الانتخابات القادمة، وأنه سيحتاج إلى أولئك المؤيدين كي

لا يضحي بمستقبله؟!

ومن جهة أخرى، فالنائب، إذا ما تم توزيره ولاسيما في بيئة سياسية كبيئتنا هذه، فإنه لن ينفصل عن توجهاته وكتلته، وسيكون مطالباً بالوقوف إلى جانب زملائه النواب، وتمرير ما يريدونه من واسطات وتعيينات وترضيات ومعاملات قافزة فوق القانون، وإلا فعليه تحمل ما لا يسعه تحمله!

نتفهم أن الدستور اشترط محللاً من النواب، لكن أن نتوسع في هذا التوجه، فهذا ما لا ينبغي اللجوء إليه إلا إذا كانت في تلك العناصر قدرات إدارية وفنية لا تتوافر في غيرها، وهذه الصفات لا نراها في عناصر المجلس الحالي، وعليه فلمَ المغامرة بهدر مناصب كفيلة، إذا أحسنّا اختيار شاغليها، بتغيير الصورة نحو الأفضل؟!

الصورة واضحة، لا للتوسع في توزير النواب، لمصلحة مؤسسات الدولة، والحرص على تكافؤ الفرص بين المواطنين، وحماية المال العام من عبث المجاملات والمحاباة، ولنسدَّ تلك الأبواب التي تأتينا منها رياح الفساد، وليكن تعيين النائب «المحلل» في وزارة غير خدمية حتى لا تكون فرصة التخريب أكبر، وحتى نضيق مساحات تنفيع غير المستحقين.

نكتب بحروف لا نبتغي بها إلا مصلحة البلاد، لا كرهاً في تيار أو معاداة لكتلة، لذا لا نرى أي غضاضة في أن ترشح الكتل النيابية أسماء فنية من الكوادر الوطنية من خارج المجلس وتضعها أمام رئيس الحكومة ليختار منها الأصلح والأنفع، بحيث تشكل هذه الأسماء إضافة نوعية جيدة إلى قدرات الحكومة، أما الإصرار على ترشيح نواب وتوزيرهم فأمر يثير التساؤلات والشبهات.

أيها السادة، نسعد بكل من يطالب بالإصلاح، غير أن كل ذلك يبقى مجرد كلام عبثي إذا ما تمخض جبل التشكيلة الجديدة عن ولادة حكومة بها نسبة عالية من النواب، مرتدية ثوب المحاصصة المهترئ، بدلاً من الاستعانة بالكوادر المستحقة التي طال إهمالها، فعندئذ لا مجال لأي كلام عن إصلاح منتظر، وستصبح إعادة ترديد مثل هذه الشعارات حروفاً لا معنى لها ولا سند لها على أرض الواقع.

جملة القول أن التشكيلة الحكومية الجديدة ستكون معياراً حقيقياً لبناء قناعة كل مواطن تجاه ما يراد لبلاده، إيجاباً أو سلباً، فلتحكّموا ضمائركم، ولتقرروا ما تمليه عليكم، وقبل كل ذلك ما تمليه مصلحة الكويت.

ها نحن قد أطلقنا جرس إنذار... لعل من يقرأ يستجيب ويرجع إلى نفسه ليقر بأن التوسع والتمادي في توزير النواب ما هو إلا نسف لآمال الإصلاح المعقودة على الحكومة المرتقبة، وإمعان في طريق الفساد الإداري والسياسي الذي ضجرت منه الكويت.