قال تعالى: "أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي، وَادْخُلِي جَنَّتِي"، وقال أيضاً: "وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ"، صدق الله العظيم.

بقلوب راضية بقضاء الله وقدره، تلقينا بعد ظهر يوم السبت الماضي النبأ المفجع بانتقال الإنسانة الرائعة والأخت العزيزة وزوجة الأخ العزيز المهندس عبدالله أحمد الشرهان، المغفور لها بإذن الله تعالى الدكتورة جميلة محمد خالد الفرج الى رحمة الله، بعد صراع مرير مع المرض العضال، الذي لم يمهلها لإكمال سلسلة مبادراتها الإنسانية التي نذرت نفسها وخبرتها لخدمة وإسعاد المرضى من كبار السن.

Ad

ولا يسعنا في هذه اللحظات المؤلمة إلا أن نتضرع إلى البارئ عز وجل أن يتغمد فقيدة العمل الإنساني بواسع رحمته، وأن يسكن أيقونة المبادرات الصامتة فسيح جناته، وأن يلبس مثال الأخلاق الحميدة أثواب المغفرة بإذنه تعالى، وأن يلهمنا وأسرتها وأهلها ومحبيها وكل من عرفها عن قرب تقوى الصبر ونسائم السلوان، إنه قريب سميع مجيب الدعاء، فقد رحلت عنا تلك الإنسانة الرائعة والأخت الفاضلة والطبيبة "الجميلة" في كل شيء، صاحبة الأيادي البيضاء في الأعمال الإنسانية، ومنها مبادرتها المجتمعية لرعاية كبار السن والتي من خلالها نذرت خبرتها المهنية والعملية وأفنت حياتها الشخصية في محاولاتها الدؤوبة والمخلصة لوجه الله لمساعدة الآخرين عموماً وكبار السن خصوصاً.

فالصالحون المصلحون الطيبون المحسنون هم هكذا، يمرون علينا كنسائم الربيع، ليخضر ما حولنا وتزهر الدنيا بأعمالهم، ويا لمشيئة الله سبحانه عندما يرحلون فجأة قبل أن يكملوا أحلامهم الإنسانية تاركين "جمائل" آثار أعمالهم التي لا تمحى مهما طال الزمن، فمن بعض مشاريعها الإنسانية أنها كانت قد عزمت قبل دخولها في غيبوبتها الفجائية، بل قبل انغماس الكادر الطبي بأكمله بجائحة كورونا، بالتمادي في إنسانيتها لرعاية مرضاها، ورغبتها الجامحة في تنفيذ مبادرة مجتمعية لتحسين حياة المرضى من كبار السن ومراعاتهم ومتابعة حالتهم الصحية والنفسية، من أجل الوصول إلى إدخال السرور والسعادة إلى قلوبهم، فشاء الله للقضاء والقدر أن تكون هي المريضة وهي الراحلة، ولا راد لقضاء الله.

وعزاؤنا الوحيد في هذا الفقد الكبير أن كل من التقى بها، وكل من تعامل معها، كان يلحظ في تعاملها مع من حولها من المرضى بحرفية ومهنية متناهية إلى جانب إنسانيتها الطاغية التي لم تعرف المكانة الاجتماعية ولا الطبقية الاقتصادية ولا حتى الانتماء الطائفي أو القبلي، فكان جميع مرضاها في نظرها إخوة لها يستحقون كامل الرعاية الإنسانية قبل الطبية أو العلاجية، وهو ما برز في تعازي وأدعية من عرفها والتي طفحت بها مختلف وسائل التواصل الاجتماعي عندما أشادوا بأخلاقها ومهنيتها وتعاملها الإنساني مع الناس.

وعندما تكون هذه الطبيبة أول من يصل إلى مقر العمل وآخر من يترك مكتبه في نهاية الدوام، وبعد أن يتفقد كل المرضى الموجودين في المركز الصحي، حتى إن كنا نعيش في وقت يندر فيه الإخلاص في العمل، لا يسعنا إلا أن ندعو الله أن يكثر من أمثالها، وأن يتغمدها بواسع رحمته، وأن يسكنها الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

● يوسف عبدالكريم الزنكوي