رغم ارتفاع الأصوات المندّدة بأي اتفاق قد يُعقد مع المكون العسكري في السودان، توصّل قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان ورئيس الوزراء المعزول عبدالله حمدوك، بعد إطلاق سراحه ورفع الإقامة الجبرية التي كانت مفروضة عليه وسحب قوات الأمن التي كانت متمركزة خارج منزله، إلى «اتفاق سياسي» يرتكز على بنود الإعلان أو الوثيقة الدستورية التي تم التوصل إليها بين المكونين المدني والعسكري في البلاد عام 2019، ويقضي بعودة حمدوك إلى رئاسة الوزراء وإطلاق القياديين المدنيين المعتقلين منذ الإجراءات التي اتخذها الجيش من إقالة الحكومة وإعلان حالة الطوارئ في 25 أكتوبر.

ويؤكد الاتفاق أيضاً، الذي تم توقيعه في القصر الجمهوري في الخرطوم، ضرورة الإسراع في استكمال جميع مؤسسات الحكم الانتقالي.

Ad

ووصل حمدوك إلى القصر الجمهوري، بالتزامن مع تظاهرات شعبية احتجاجا على استيلاء العسكريين على الحكم.

وأفاد مصدر مقرب من رئيس الوزراء بأن حمدوك الذي اجتمع مع البرهان ومع النائب الأول لرئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـحميدتي «مشارك في الاتفاق الذي أعاده إلى السلطة لوقف إراقة الدماء».

وقال المصدر إن الإعلان الدستوري الذي تم التوصل إليه بين الجيش والمدنيين في عام 2019 سيبقى الأساس للمفاوضات. وكان الجيش اعتقل حمدوك فجر 25 أكتوبر مع زوجته قبل إعادتهما الى منزلهما مساء اليوم التالي ووضعهما قيد الاقامة الجبرية.

وحلّ الجيش حكومة حمدوك، واعتقل عددا من المدنيين الذين كانوا يتولون مناصب عليا بموجب اتفاق تقاسم السلطة الذي جرى التوصل إليه مع الجيش بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير في عام 2019.

«حزب الأمة»

من ناحيته، أعلن فضل الله بورمه رئيس «حزب الأمة» المكلف وأحد الوسطاء، أمس، أنه «تم التوصل إلى اتفاق سياسي بين البرهان وحمدوك والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني على عودة حمدوك الى منصبه». وقال إن «حمدوك سيشكل حكومة كفاءات من التكنوقراط، وسيتم إطلاق جميع المعتقلين السياسيين».

وأصدرت مجموعة وسطاء سودانيين، من بينهم أكاديميون وصحافيون وسياسيون، انخرطوا في محادثات وساطة للتوصل إلى اتفاق منذ اندلاع الأزمة، بيانا حدد النقاط الرئيسية للاتفاق، وهي تشمل «إعادة حمدوك إلى منصبه والإفراج عن جميع المعتقلين، واستئناف التوافق الدستوري والقانوني والسياسي الذي يحكم الفترة الانتقالية».

وأضاف بيان الوسطاء أن الاتفاق تم التوصل إليه بعد اتفاق بين فصائل سياسية وجماعات متمردة سابقة وشخصيات عسكرية.

«الحرية والتغيير»

لكن قوى «إعلان الحرية والتغيير»، وهي الكتلة المدنية الرئيسية التي قادت الاحتجاجات المناهضة لعمر البشير ووقعت اتفاق تقاسم السلطة في 2019 مع الجيش، رفضت الاتفاق، وقالت في بيان «نؤكد موقفنا الواضح والمعلن سابقا بأنه لا مفاوضات ولا شراكة ولا شرعية للانقلاب».

كما طالبت المجموعة بمحاكمة قادة الانقلاب بتهمة تقويض شرعية العملية الانتقالية بقمع المتظاهرين وقتلهم.

وتظاهر أمس، مئات السودانيين في الخرطوم وتوجهوا صوب القصر الرئاسي في شارع القصر، وهم يهتفون بشعارات مناهضة للبرهان ومؤيدة لحمدوك.

في المقابل، أطلقت قوات الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع على المحتجين.

وقال شهود عيان، إن الاحتجاجات انطلقت في وسط الخرطوم وفي مدينتي كسلا وعطبرة شرق وشمال البلاد.

ومساء أمس الأول، تظاهر مئات في مدينة الخرطوم بحري شمال شرقي العاصمة، ووضعوا حواجز على طرق وأضرموا النار في الإطارات، وهتفوا بشعارات ضد الحكم، وخلال هذه التظاهرات، أُحرق مركز للأمن، ولم يتضح على الفور المسؤولون عن الحادثة، فيما تبادلت الشرطة والمتظاهرون تحميل المسؤولية.

وتزامنا مع التظاهرات، نصحت السفارة الأميركية في السودان الرعايا الأميركيين بالبقاء في منازلهم قدر الإمكان. وأشارت السفارة، في بيان لها، إلى أنه رغم الطابع السلمي للدعوات التي يطلقها المنظمون فإن التظاهرات السابقة شهدت مواجهات عنيفة.

وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن دعا في وقت سابق إلى إنهاء العنف ضد المتظاهرين في السودان وإطلاق جميع المعتقلين. وأضاف أن بلاده تضم صوتها إلى أصوات المتظاهرين المنادين بعودة الحكومة الانتقالية. من ناحيته، قال السيناتور الأميركي كريس كونز إنه لا ينبغي للولايات المتحدة السماح بنجاح الانقلاب في السودان، محذراً القادة العسكريين في السودان من عواقب وخيمة إن لم يسمحوا باستئناف التحول الديموقراطي بقيادة مدنية. وجدد سفراء الاتحاد الأوروبي بالخرطوم دعمهم مطالب الشعب السوداني في تحقيق الديموقراطية والحرية والسلام والعدالة، إلى جانب احترام حقوق الإنسان.