لم يكن العفو الأخير لصاحب السمو أمير البلاد هو الأول، ولن يكون الأخير، حتى من قبل صدور الدستور، فبعد أحداث المجلس التشريعي 1938 الدامية، حُبس عدد من رجالات المجلس التشريعي أكثر من 4 سنوات، وكان من ضمنهم عبداللطيف ثنيان الغانم، رحمه الله، الذي أصبح لاحقاً رئيساً للمجلس التأسيسي الذي أصدر دستور 1962، وحتى على عدد من الفارين، ومن ضمنهم سكرتير المجلس التشريعي خالد العدساني، رحمه الله، الذي ساهم في مفاوضات الدستور، وصار وزيراً لاحقاً، وألف كتابه المعروف الذي وثق لتجربة المجلس.

وحالما تولى الشيخ صباح السالم الحكم أصدر عفواً بعد عفو، وكلها ذات طابع سياسي، بعضها مشهور معروف وبعضها غير مشهور.

Ad

في الكويت الدستورية، صار العفو عن مدانين عادة متبعة قبيل احتفالات العيد الوطني، حيث تقوم وزارتا الداخلية والعدل بإعداد قوائم المشمولين بالعفو، ورفعها إلى صاحب السمو لإقرارها، وتتم مراجعة تلك القوائم لتنقيحها، ولم تكن بالضرورة دون ملاحظات، ولكنها كانت تصدر كقرار نهائي لا معقب بعده، بصلاحيات مطلقة لصاحب السمو بموجب المادة 75 من الدستور.

أما العفوان الأكثر إشكالية فقد صدرا من الحاكم العرفي الشيخ سعد العبدالله، رحمه الله، قبل انقضاء فترة الأحكام العرفية في 26 يونيو 1991، حيث ألغى أحكام الإعدام للمؤبد، وخفض أحكاماً أخرى كثيرة عن جرائم مرتكبة خلال الغزو، استجابة للضغط الدولي، بل إن أغلبهم تم إخلاء سبيلهم وغادروا البلاد.

أما العفو الواسع الثاني فهو الذي أصدره أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، بإلغاء كل الأحكام الصادرة على المحكومين حتى الغزو، بما في ذلك جرائم أمن الدولة، باستثناء القتل العمد. وحول هذا الموضوع تحديداً هناك تفاصيل كثيرة لن تكفي عجالة سريعة كهذه لسردها.

منذ ذلك الحين صدرت مراسيم عفو متعددة ومتنوعة لم تخل من قضايا ذات أبعاد سياسية، سواء لأفراد أو لمجموعات. وتكمن الإشكالية في أن الكثير من تلك الحالات لم تكن تحت مجهر التركيز، بل أكاد أجزم بأن كثيرين من المشمولين بالعفو حينها غير معلومين بالنسبة إلى الجمهور السياسي.

وحيث إن العفو حق مطلق لسمو الأمير، ولا يتطلب تفسيراً، ولا تتبعه مراجعة، ستنقسم الآراء حول المستحق أو غير المستحق، خصوصاً في قضية مثيرة للجدل كقضية العفو، وسينقسم الناس بين راض وممتعض وغاضب، ولكن من الناحية القانونية فإن ذلك لن يغير بالأمر شيئاً، إلا في إثارة القلق والتوتر بالمجتمع.

جاء العفو الأميري متزامناً، وأظنه بمحض المصادفة، مع اليوم العالمي للتسامح، ويبقى أن التسامح والعفو من سمات المجتمعات المستقرة والآمنة، ونسأل الله أن تكون كذلك.

أ.د. غانم النجار