بعد وصول الرئيس جو بايدن إلى سدة الرئاسة الأميركية في شهر يناير، توقّع رئيس كوريا الجنوبية، مون جاي إن، أن تُجدد واشنطن التزامها بملف كوريا الشمالية نظراً إلى تاريخ بايدن الطويل كسياسي مخضرم كان عضواً في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ لأكثر من عشر سنوات، وبعد إتمام مراجعة السياسات المرتبطة بكوريا الشمالية، أكّد البيت الأبيض أن مقاربته لنزع الأسلحة النووية من كوريا الشمالية ستكون مختلفة عن الاستراتيجيات التي طبّقتها الإدارة الأميركية في عهد أوباما وترامب، ومنذ ذلك الحين، وجّه المبعوث الأميركي الخاص إلى كوريا الشمالية، سونغ كيم، رسالة مفادها أنه مستعد لمقابلة نظرائه الكوريين الشماليين "في أي زمان ومكان ومن دون أي شروط مسبقة".

لكن كوريا الشمالية من جهتها أصرّت على رفض هذه المبادرات كلها، فهي مقتنعة بأن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أهان قائدها الأعلى كيم جون أون خلال قمة هانوي في عام 2019، لذا تطالب الولايات المتحدة منذ فترة بتقديم التنازلات أو إلغاء سياستها "العدائية" أولاً إذا أرادت استئناف المحادثات النووية الثنائية.

Ad

كانت سيول تتوقع من واشنطن أن تعقد اتفاقاً حول مسار نزع الأسلحة النووية من كوريا الشمالية على المدى الطويل خلال قمة هانوي، لأن ترامب وكيم كانا قد عقدا أول اجتماع بينهما في سنغافورة وعبّرا عن آرائهما حول مسألتَين أساسيتَين: تفكيك المجمعات النووية الكورية الشمالية، وتعليق العقوبات الاقتصادية الخانقة، لكن الطرفين عجزا عن الاتفاق حول نطاق هذه المسائل المهمة خلال قمة هانوي، وأدى انهيار الدبلوماسية بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة إلى تخريب جهود مون الرامية إلى تطوير العلاقات بين الكوريتين.

مع اقتراب انتهاء ولاية مون في مايو 2022، قد تكون هذه المرحلة فرصته الأخيرة لتحقيق إنجاز معيّن في هذا الملف، وقد كرر مون رغبته في أداء دور صانع السلام في شبه الجزيرة الكورية خلال خطابه أمام الجمعية الوطنية يوم الاثنين قبل الماضي، وبرأي مون، سيكون الإعلان الرسمي عن نهاية الحرب الكورية آخر ورقة يمكن استعمالها لإنشاء الزخم المطلوب لتجديد الحوار بين الكوريتين وتشجيع واشنطن على تقديم اقتراحات وحوافز مفصّلة إلى بيونغ يانغ لإقناعها بالعودة إلى طاولة المفاوضات ومناقشة ملف نزع الأسلحة النووية، لكن واشنطن تحمل آراءً مختلفة حول توقيت الإعلان عن نهاية الحرب والحوافز المرتبطة بهذه الخطوة.

خلال مؤتمر صحافي قبل أيام، ورداً على سؤال حول جدّية البيت الأبيض في إعلان انتهاء الحرب الكورية، قال جايك سوليفان، مستشار بايدن في مجال الأمن القومي: "نحن نحمل آراءً مختلفة بعض الشيء حول تفاصيل الخطوات المرتقبة أو توقيتها أو شروطها".

لكنه أضاف أن الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية "تتفقان حول جوهر المبادرة الاستراتيجية اللازمة وتعتبران الدبلوماسية الطريقة الوحيدة لإحراز تقدّم حقيقي شرط أن تترافق مع نظام ردع فاعل".

لم تسحب إدارة بايدن أي مبادرة دبلوماسية طرحتها تجاه كوريا الشمالية، لكنها تُركّز حتى الآن على إيجاد وسائل أخرى لمعالجة القدرات النووية المتزايدة في ذلك البلد.

صرّح مايسون ريتشي، أستاذ في الدراسات الدولية في جامعة "هانكوك" للدراسات الخارجية في سيول، لصحيفة "دبلومات" بأن الولايات المتحدة تشكّ في أهمية الإعلان رسمياً عن انتهاء الحرب الكورية.

يوضح ريتشي: "تبدو إدارة بايدن مستعدة لطرح فكرة إعلان نهاية الحرب على الأقل، وهي خطوة يصبو إليها الرئيس مون بكل وضوح، لكنها تشكك في أهميتها في الوقت نفسه".

اجتمع المسؤولون الأميركيون المعنيون بالشؤون الخارجية وبملف كوريا الشمالية تحديداً في مناسبات متكررة مع نظرائهم الكوريين الجنوبيين، لكن لم تُطرَح أي مقاربات أميركية جديدة لحث بيونغ يانغ على العودة إلى طاولة المفاوضات، بل ألمحت الولايات المتحدة مراراً إلى أن الكرة أصبحت في ملعب كوريا الشمالية.

يضيف ريتشي: "لا تحبذ واشنطن على ما يبدو الإعلان عن نهاية الحرب تزامناً مع بدء عملية التفاوض بشأن مشاكل شبه الجزيرة (وتحديداً نزع الأسلحة النووية)، بل يُفترض أن تنجم هذه الخطوة عن تدابير فاعلة تتخذها بيونغ يانغ لتلبية المطالب الأميركية".

سبق أن عبّرت كيم يو جونغ، شقيقة زعيم كوريا الشمالية القوية، عن اهتمامها بهذا الاقتراح بعدما ألقى مون خطابه أمام الجمعية العامة في الأمم المتحدة، لكنها شددت على عدم تعامل كوريا الشمالية مع اقتراح مون بجدّية ما لم تقدّم الولايات المتحدة التنازلات وتثبت أنها لا تحمل أي نوايا "عدائية" تجاه بلدها. لطالما كان هذا الموقف شرطاً مسبقاً بالنسبة إلى الجهات الرسمية في كوريا الشمالية لإعادة إطلاق المفاوضات، وبعبارة أخرى، تُصِرّ كوريا الشمالية على أن تتخذ الولايات المتحدة الخطوة الأولى.

نظراً إلى الظروف القائمة، يبدو مون مكبّلاً ويعجز عن أداء دور الوساطة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، حيث تثبت نتائج قمة هانوي الفاشلة أن واشنطن لن ترفع العقوبات الاقتصادية الخانقة ما لم توافق كوريا الشمالية على مقاربتها التي تقضي بنزع الأسلحة النووية "بطريقة كاملة ويمكن التحقق منها ولا رجعة فيها". في غضون ذلك، تطالب بيونغ يانغ برفع العقوبات عنها وتقديم تنازلات عسكرية لصالحها قبل البدء بتفكيك أي جزء من برنامجها النووي.

لكن رغم هذا الجمود في الملف النووي، تتوقع سيول أن تتشاور الدول المعنية في ما بينها حول إعلان انتهاء الحرب قبل نهاية ولاية مون. قد لا تكون هذه المسألة بسيطة، لكنها تبقى أقل تعقيداً من إبرام اتفاق شامل حول نزع الأسلحة النووية من الناحية الدبلوماسية.

تدعم كوريا الجنوبية اقتراح مون أيضاً، فوفق استطلاع رأي أجراه "المجلس الاستشاري للتوحيد الوطني" في الشهر الماضي، تبيّن أن 67.8% من المشاركين يدعمون الإعلان عن انتهاء الحرب الكورية، في حين يعتبر 29.4% منهم هذه الخطوة غير ضرورية، كذلك يظن 54.2% من المشاركين في الاستطلاع نفسه أن الولايات المتحدة وكوريا الشمالية ستعيدان إحياء المحادثات النووية الثنائية خلال هذه السنة.

وفي حين تتابع كوريا الشمالية تقوية قدراتها النووية والصاروخية، يبدو الكوريون الجنوبيون أقل اهتماماً بإعادة توحيد الكوريتين، حيث اقتصرت نسبة مؤيدي هذه الخطوة على 44% في استطلاع أجراه "معهد السلام وإعادة التوحيد" في جامعة سيئول الوطنية في وقتٍ سابق من هذا الشهر، فاعتبر 29.4% من المشاركين إعادة توحيد البلدين غير ضرورية.

شكّك بعض النقاد باقتراح مون المرتبط بالإعلان رسمياً عن نهاية الحرب الكورية، على اعتبار أن كوريا الشمالية قد تطالب الولايات المتحدة بسحب قواتها العسكرية من كوريا الجنوبية في المرحلة اللاحقة، لكن مون قال إن إعلان انتهاء الحرب ليس مرادفاً لانسحاب القوات الأميركية لأن الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية هما الجهتان الوحيدتان المخوّلتان اتخاذ هذا النوع من القرارات، ومع ذلك قد يؤدي إعلان انتهاء الحرب إلى نهاية مهام قيادة الأمم المتحدة في كوريا الجنوبية، علماً أنها مُكلّفة بتطبيق اتفاق الهدنة القائم في الوقت الراهن والحفاظ عليه.

في النهاية، صرّح لي جونغ هاك، طالب جامعي في سيئول، لصحيفة "دبلومات": "من وجهة نظري، لا أظن أننا نحتاج إلى إنهاء الحرب الكورية رسمياً قبل انتهاء ولاية مون لأن هذه المسألة ليست عاجلة في الوقت الراهن، وما من تهديدات واضحة من كوريا الشمالية على حياة الناس اليومية. أنا أظن شخصياً أن الولايات المتحدة لا ترغب في إنهاء الحرب الكورية لأنها تريد أن تتابع مراقبة كوريا الشمالية والصين وروسيا في المنطقة".

* ميتش شين

The Diplomat