خرجت تظاهرات حاشدة في السودان، أمس، استنكارا لإعلان قائد القوات المسلحة الفريق أول عبدالفتاح البرهان «تشكيل مجلس سيادي» جديد، واستجابة لدعوة «تجمع المهنيين»، بالمشاركة في «مليونية غضب» تحت شعار «لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية».

وشارك الآلاف من أنصار «قوى الحرية والتغيير» و«لجان المقاومة» في المظاهرات، بعد رفضهم التفاوض مع قادة الجيش، الذي حل أواخر أكتوبر الماضي مجلسي السيادة والوزراء وقيد إقامة رئيس الحكومة المدنية عبدالله حمدوك.

Ad

وأطلقت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع، لتفريق المحتجين في العاصمة الخرطوم ومدينة أم درمان، وطاردت قوات الأمن المحتجين في الشوارع الجانبية في أم درمان، حيث احتشدت مجموعات تطالب بالحكم المدني، للمشاركة في احتجاجات في أنحاء البلاد.

من جهتها، أكدت لجنة الأطباء المركزية مقتل 3 أشخاص في أم درمان وإصابة عدد كبير بالرصاص في مناطق متفرقة بالخرطوم خلال تفريق قوات الأمن للاحتجاجات.

وكان التنقل بين حي وآخر في جنوب العاصمة شبه مستحيل، مع إغلاق القوات الأمنية الطرق الرئيسية، في حين توافد الآلاف للانضمام إلى مواكب معارضة لإقصاء المدنيين في عدة مدن أخرى، واستبقت السلطات العسكرية الاحتجاجات بإغلاق الجسور التي تربط العاصمة بمدن أم درمان والخرطوم بحري ليل الجمعة ـ السبت لمنع تدفق المحتجين.

وانتشرت قوات مشتركة من الجيش والشرطة و«الدعم السريع» بكثافة في محيط النقاط الحيوية، في يوم مصيري للشارع الذي يريد إثبات نفسه و«إسقاط العسكر»، وللسلطة التي تسعى للتحلي بضبط النفس لطمأنة المجتمع الدولي بعد إقصاء المكون المدني من إدارة المرحلة الانتقالية التي أعقبت عزل الرئيس السابق عمر البشير في 2019، كما وضع الجيش كتلا خرسانية لإغلاق كل الطرق المؤدية إلى مقر القيادة العامة وسط الخرطوم، حيث سقط أغلب القتلى الـ15 في الاضطرابات التي أعقبت ذلك.

وفي وقت يبدو أن الأوضاع تتجه نحو المزيد من التعقيد السياسي والميداني بعد يومين من إعلان قائد الجيش تشكيل «مجلس سيادة» جديد برئاسته، ايدت حركة جيش تحرير السودان المسلحة المظاهرات التي تطالب بحكم مدني ورفض «الانقلاب العسكري».

وأشارت الحركة، في بيان، إلى أن «العسكر قاموا بخيانة شركائهم في الحرية والتغيير، ونفذوا انقلابهم المشؤوم في 25 أكتوبر الماضي بالتعاون مع بعض حركات سلام جوبا».

ورفضت تعيين رئيسها الهادي إدريس بمجلس السيادة الجديد، مبينة أن «إدريس ليس له أو لتنظيمه أي علم أو علاقة بقرار تعيينه» من قبل البرهان، وأضافت أن «قرار التعيين غير ملزم للحركة ومرفوض رفضا قاطعا».

واتهم عضو تجمع المهنيين حسن فاروق، البرهان بتشكيل «مجلس سيادة» يظهر انقلابه على «الثورة ككل وسعيه إلى إعادة كل أعضاء المؤتمر الشعبي المنحل إلى مؤسسات الحكم، من الخارجية والأمن إلى التعليم».

وذكر ناشط سوداني لشبكة CNN أن رؤية الحركة الاحتجاجية تنطلق من أن «الوضع لم يعد محتملا، والناس الذين يحكمون البلاد الآن هم نفس الجنرالات الذين كانوا جزءا من المجلس الأمني خلال حكم عمر البشير قبل الإطاحة به»، مؤكدا أن «الاضطرابات والمقاومة ستستمر حتى نرى البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو في السجن مع البشير».

تطمين السيادة

وتأتي احتجاجات أمس غداة إغلاق نشطاء الطرق في مناطق مختلفة من العاصمة الخرطوم، بالتزامن مع تأدية أعضاء مجلس السيادة الانتقالي الجدد القسم أمام البرهان ورئيس القضاء مولانا عبدالعزيز فتح الرحمن عابدين.

وأكد عضو مجلس السيادة الفريق الركن ياسر العطا، في تصريح عقب مراسم أداء القسم، أن «تشكيل المجلس يأتي في إطار تصحيح مسار ثورة ديسمبر المجيدة لتحقيق شعاراتها المتمثلة في الحرية، السلام والعدالة وترسيخ دعائم الدولة المدنية وإنجاح مهام وواجبات الفترة الانتقالية».

وأضاف العطا أن تشكيل المجلس «جاء بعد مسيرة طويلة من البحث والتقصي والمشاورات مع كل مكونات القوى السياسية والاجتماعية في أقاليم السودان المختلفة، تحقيقا لمبادئ توسيع دائرة المشاركة وعدم الإقصاء»، مؤكدا أن باب المشاورات مفتوح ومتواصل من أجل تحقيق الوفاق السياسي.

رفض ودعوة

وأمس الأول، أعرب وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن، عبر «تويتر»، عن شعور بلاده بالقلق البالغ إزاء الإعلان عن «المجلس الأحادي» في السودان، مضيفا انه بدلا من الأعمال التي تزعزع استقرار البلاد وتؤدي إلى تقسيمها فإن على الجيش إطلاق سراح كل المحتجزين بمن فيهم رئيس الوزراء حمدوك والعودة إلى النظام الدستوري.

بدوره، ذكر مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان أن بلاده تشعر بالقلق البالغ إزاء تعيين غير دستوري لمجلس السيادة السوداني، مطالبا القادة العسكريين في الخرطوم بالامتناع عن المزيد من الإجراءات الأحادية الجانب، وحثهم على احترام حق الشعب في التظاهر السلمي.

وأعربت «دول الترويكا»، الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والنرويج، والاتحاد الأوروبي وسويسرا، عن القلق مما سمته المزاعم بشأن تشكيل المجلس الجديد، ودعت في بيان مشترك إلى عودة حمدوك وحكومته للسلطة.

في هذه الأثناء، دعا المبعوث الأممي الخاص للسودان فولكر بيرتس إلى إطلاق مفاوضات للوصول إلى حل عاجل لإعادة الحياة السياسية والاقتصادية إلى طبيعتها، محذرا من أن قرارات البرهان قد تُعقّد الأزمة السياسية.

وأكد بيرتس أن ما سماه «التعيين أحادي الجانب» لمجلس السيادة يزيد صعوبة العودة إلى النظام الدستوري، داعيا إلى إطلاق مفاوضات للوصول إلى حل عاجل لإعادة الحياة السياسية والاقتصادية إلى طبيعتها.