مبادرة صاحب السمو بالعفو عن عدد من أبناء الكويت هي مبادرة محمودة ومشكورة، وسيعود بعدها المشمولون بها إلى وطنهم وأهليهم، لتنتهي - أو توشك على الانتهاء - حالةٌ لا تشبه الكويت، بوجود لاجئين سياسيين خارجها. كان سموه هو الوحيد، حسب النص الدستوري، القادر على نزع ذلك الفتيل، ونأمل أن تتم تسوية كل المسائل العالقة بهذا الخصوص. وما زلت لا أفهم اعتراض البعض على تلك المبادرة.

مسألة العفو، حسب المادة 75 من الدستور، هي مسألة تتم كل سنة، وغالباً خلال فترة العيد الوطني، عبر لجنة مشتركة من وزارتي الداخلية والعدل، بتخفيض مدة أو إخلاء سبيل، ومن ثم يتم رفعها لصاحب السمو لإصدار المرسوم الخاص. وخلال أزمة كورونا جرى، بشكل استثنائي، العفو عن عدد كبير، بتنسيق مع وزارة الصحة، خشية أن يؤدي اكتظاظ السجون إلى تفاقم وباء كورونا.

Ad

بطبيعة الحال، العفو هذه المرة مختلف من حيث التفاصيل، لا من حيث المبدأ المستقر والمستمر بشكل شبه سنوي. فللقضية أبعادها السياسية والفنية، حيث إن العديد من المشمولين المفترضين، لم ينفذوا مدة حكمهم، وإنها قد تكون مدخل لانفراج سياسي.

أطراف المعادلة هنا غير متكافئة الوزن، فأغلب العائدين لن يسمح لهم بممارسة نشاطهم السياسي المعتاد، حيث إن العفو الخاص لن يلغي العقوبة المسببة للحرمان السياسي.

إذاً فالعفو الكريم يفتح باباً لما يمكن أن يأتي، ولا يضمنه. فقائمة المترهلات العامة كبيرة، وقد زاد شحمها عن لحمها، وتحولت إلى نتوءات لابد من علاجها، والقائمة طويلة، من إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وإدارية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، تحويل زخم المبادرة إلى برنامج عمل، توضع فيه القضايا على الطاولة، وتتحرك فيها الملفات الراكدة، وإن كانت المؤشرات الأولية لا توحي بذلك. وإن كان لدينا مؤشر لاختبار المسارات القادمة، فقد جاء بمحض المصادفة، من حيث التوقيت، إدراج قانون الحقوق المدنية للبدون على جدول أعمال الجلسة القادمة. وإمعاناً في استمرار الحكومة بالتعمد في معاناة غير مبررة للبشر، أعلنت موقفها الرافض للقانون، بغض النظر عن المعاناة الإنسانية، والاعتبارات الأمنية، والإضرار بسمعة الكويت خارجياً، وأن القانون يمثل الحد الأدنى من الحل المفترض. وبالتالي قانون البدون يمثل اختباراً سريعاً لما بعد العفو، ولندع جانباً الأحاديث المنمقة عن إصلاحات شاملة ونتركها للزمن.

● أ. د. غانم النجار