«يعبّر عن شوقه لعذوبة مياه نهر "دجلة الخير"، يقول ذاك الجواهري:

إنّي وردتُ عيونَ الماءِ صافيةً

Ad

نبْعًا فنبْعًا فما كانت لترْويني

للتكريم في الشارقةِ مذاقٌ مختلفٌ، مذاقٌ حلوٌ يذوب فوق لسان الروح، فينتشر فيها نثيث فرحٍ عبِقٍ وأخضر. ومن البديهي أن يتساءل نفرٌ: ولماذا هو كذلك؟ والجواب؛ لأن الشارقة نبع فكرٍ، وعلمٍ، وإبداعٍ، وثقافةٍ ليست كغيرها.

وثانية يعود ذاك النفرُ المشاغبُ، فيسأل: ولماذا هي كذلك؟ والجواب: لأن الشوارقَ على دينِ ملوكها! كلُ شارقةٍ تُزوّقُ نفسها بفكرِ ويد صاحبها، وشارقة الإمارات كُتب لها أن يتولّى تزويقها سمو شيخ عاشق للحرف، عاشق للكلمة، عاشق للفكر، عاشق للمسرح، عاشق للتشكيل، وهو عاشق للمبدع والكاتب والكتاب.

ثم إن هذا العاشقَ الولِه بشارقته، لا يفتأ ينشر شيئاً من روحه فيمن بقربه، حتى خلق وأشاع حالةً في جميع منْ حوله: البشر والحجر، في الجامعة والدارة والمكتبة ومعرض الكتاب والبيت والمدرسة والشارع.

حالةٌ تمسُّ الشيخَ والمرأةَ والشابَ والطفلَ والقارئ، وحتى العابر فوق أرض شارقته.

أن تكون شخصية العام الثقافية في الشارقة تحديدًا فهذا تكريم كبير، ومسؤولية أكبر، وهذا قطاف عمرٍ طويل مرَّ بي. وهو قطاف حلمٍ عبر بي ذات مساءٍ بعيد حين كنتُ ابن العاشرة، يوم همس أحدهم بأذني قائلاً: "يمكن أن تكون كاتبًا!" لكن، كيف للصبي الصغير أن يكون كاتبًا؟ وكيف له أن يتعلّم حرفة الكتابةِ؟ وكيف إلى دربِ النشرِ من سبيل؟ ومتى تراها تكتملُ به الحرفةُ، ويُقال له: الآن أنت كاتب؟".

أذكر تلك اللحظةَ، كنتُ جالساً في "كافيتيريا" كلية الهندسة والبترول وكلية العلوم، في جامعة الكويت، حين أشار لي هاجسٌ شفيفٌ، وغمز لي باسمًا يهمس: تعال خلفي، وسأشق بك الطريق، ومعاً نعبر أنهار القراءةِ لنصل إلى ضفاف الكتابة... شابٌ نحيلٌ في بداية خطوه الجامعي، من عائلة عُرف عنها تعلّق قلوب أبنائِها الرفاعية بالمساجد! شاب سار في دربِ غواية القراءة والكتابة، وراهن على الحرفِ والكلمةِ والقصةِ القصيرة والرواية. وتنكّب قلماً يخطُّ به كلماته الأولى، وبهمة المنذورين للحلم سار ولم يزل يسير!

متوحّدٌ دربِ صنعة الأدب، فالكاتب يعيش صمته بين وحدتين: وحدة القراءة ووحدة الكتابة، وكأنه منذورٌ للوحدة، وممسوسٌ بسحرٍ غامضٍ يأخذه من رهان قراءة لآخر، ومن مغامرة كتابة لأخرى.

حضرة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي، الأحبة الحضور،

طريق القراءةِ عبق بأريج الأزهار، لكن درب الكتابةِ والنشرِ مُلغّم، ومن خلفِ جانبيه يصدر نقيق ضفادعٍ كثيرة، وعلى كُلِ كاتبٍ أن يدفعَ ضريبةً باهظةً لنجاحاته، وكلما كانت نجاحاتُه كبيرة، علت أثمانُها، وكلما كانت نجاحاته متتالية كثُر حسّاده وأعداؤه، ومسَّ نفسه رذاذ همٍّ يثقل على القلب. لذا حين يأتي التكريم، فذاك هو طوق النجاة، وذاك هو مكافأة الأصفياء.

وكذا كانت "شخصية العام الثقافية"، فهي تكريم لوطني الكويت مثلما هي تكريم لشخصي المتواضع. فلمزوّق الشارقةِ وسمو شيخها وحاكمها ودكتورها الشكر والتقدير، وللشارقةِ الحبيبة قُبلة على جبينها، ولهيئة الشارقةِ للكتاب، ورئيسِها الأستاذ أحمد العامري، وللأصدقاء الذين وضعوا ثقتهم بي خالص المحبة والتقدير، ولمعرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الأربعين ذكرى عطرة ستبقى حاضرة وخفق القلب، وأخيراً لزوجتي وابنتيّ حبَّ قلبي، لاحتمالهن وحشتي ووجعي بينهن، ولكم أيها الحضور الكريم لطيف شكرٍ يليق باستماعكم... طاب مساؤكم».

***

*بمناسبة تكريمي "شخصية العام الثقافية" ألقيت هذه الكلمة في افتتاح معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الأربعين.

طالب الرفاعي