التميز هو نتاج رحلة مستمرة من العمل الجاد المبني على التخطيط السليم وفق رؤية فريدة وأهداف ذكية تتطلع كل مؤسسة أو دولة إلى تحقيقها، ولا يمكن لأية مؤسسة أن تحقق التميز دون جهد مبتكر وعمل مستمر من أجل تحسين وتطوير الأداء المؤسسي لضمان استدامته، فالتميز المؤسسي هو حالة التفوق في النظام الشامل للأداء المؤسسي والممارسات التطبيقية لهذا النظام وتحقيق النتائج المتميزة، وهي مرحلة متقدمة من تطور أعمال الجودة في المؤسسات، حيث تسعى المؤسسة المتميزة إلى تحقيق رضا العملاء والعاملين فيها وربطه بما تحققه وتوثقه من إنجازات في ظل تحديات تنافسية دولية، وثورة معلوماتية وتقدم تقني يعتمد على المتميزين الأكفاء سواء كانوا أفرادا أو مؤسسات.

وقد انعكست هذه التحديات على متطلبات سوق العمل الذي أصبح لا يقبل إلا بالخريجين المتميزين ذوي الكفاءة العالية، وأصحاب المهارات والخبرات الفنية النادرة، إذاً علينا أن نسأل أنفسنا: كيف يمكن لمؤسساتنا العامة والخاصة أن تصنع التميز وتحقق الجودة الشاملة في أدائها المؤسسي؟ الجواب: يمكننا ذلك من خلال صناعة التميز المؤسسي في خمس مراحل وخطوات متسلسلة:

Ad

المرحلة الأولى: تشكيل فريق ثابت داخل المؤسسة لقيادة جودة الأداء وتطوير الأداء المؤسسي فيها، بحيث يكون لديهم الفهم الثاقب والخبرة اللازمة في هذا المجال، والرغبة الملحة في التطوير والتحسين المستدام وتحقيق معايير ضمان الجودة في الأداء، حتى يقوموا ببناء ثقافة داعمة للتطوير المؤسسي بدعم من الإدارة العليا للمؤسسة وقياداتها، وأن يضعوا التصورات والخطط الشاملة لتحقيق تطوير الأداء المؤسسي بما يلبي تطلعات العاملين فيها ومتلقي خدماتها من مواطنين ومقيمين.

المرحلة الثانية: التقييم الذاتي للمؤسسة، وهي خطوة مهمة نحو تحقيق التميز وجودة الأداء المنشود داخل المؤسسة، فمن خلال عملية التقييم الذاتي تتمكن المؤسسة من التعرف على مواطن القوة والضعف في مختلف قطاعاتها، وكذلك التعرف على احتياجاتها ومتطلباتها نحو تحقيق التميز والجودة في الأداء، على أن يتم التقييم الذاتي للمؤسسة بصورة واقعية ومنطقية بعيداً عن المجاملات والمحسوبيات المؤثرة في نزاهة ومصداقية التقييم.

المرحلة الثالثة: تحديد أولويات التطوير المؤسسي، وهي مرحلة تتم فيها معرفة جوانب القوة في الأداء المؤسسي، وجوانب الضعف التي تحتاج إلى تطوير وتحسين، بناء على مدى تأثيرها في إنتاجية المؤسسة وتسبب عائقا في تحقيق أهدافها وفق رؤيتها ورسالتها، ليتم اتخاذ القرارات المناسبة بشأنها ووضعها ضمن أولويات التطوير المبنية على الرؤية الاستراتيجية للمؤسسة.

المرحلة الرابعة: تصميم وإعداد الخطة الإجرائية لتطوير الأداء المؤسسي، ويتم خلالها تشكيل فريق عمل لبناء الخطط، وتحديد الجدول الزمني اللازم لإدارة كل خطة وتنفيذها، وتحديد الأهداف العامة للتطوير المؤسسي، ومستويات الأداء المتوقع بلوغها بنهاية تحقيق وتنفيذ الخطة على الأرض، وكذلك تحديد خطط العمل وتوزيع الأدوار والمهام والمسؤوليات وتحديد مؤشرات النجاح في تحقيق أهداف الخطة والوقت المخصص للتنفيذ والمتابعة.

المرحلة الخامسة: متابعة وتقويم الأداء المرتبط بتنفيذ الخطة الإجرائية لتطوير الأداء المؤسسي، ويتم خلالها تشكيل فريق لمتابعة وتقييم الأداء، وتوعيته بأساليب متابعة وتقييم الأداء وفقا للأنشطة الموجودة في الخطة، وكذلك الاتفاق على آليات وأدوات المتابعة اللازمة، والأدلة المطلوب متابعتها، والتأكد من توافرها، وكيفية تحليلها وتقييمها لاتخاذ القرارات المناسبة بشأنها وذلك لضمان استمرارية تطوير الأداء للوصول لأعلى مستوى في الأداء وفق مؤشرات معايير ضمان الجودة والتميز المؤسسي.

إن أهمية قياس جودة الأداء المؤسسي وربطه بالأهداف الكلية والخاصة والأهداف الاستراتيجية المتصلة برؤية ورسالة المؤسسة أو الدولة تكمن في جودة ربط أداء الأفراد بالأهداف والاستراتيجيات والرؤى التي وضعت لصناعة التميز المؤسسي ضمن إطار زمني محدد، وميزانية محددة من دون هدر أو انحراف عن الرؤية والأهداف الرئيسة.

● د. عبدالعزيز إبراهيم التركي