قمة التراجع عندما يتحول المشهد السياسي إلى وسيلة للبذاءة وتبادل الاتهامات والقذف واستخدام عبارات من هب ودبّ، وكأننا في مجتمع بعيد كل البعد عن القيم والمبادئ والأخلاق والعادات والتقاليد، فقد اتضح جليا كمية السفاهة التي تعيش بيننا، فهناك من حوّل الانتقاد الذي يفترض أن يكون راقياً في الطرح إلى كلمات "سوقية" وألفاظ نابية وأساليب مدعومة من أطراف لخلط الحابل بالنابل، فمن الطبيعي أن ننتقد أي شخصية عامة أو أي وضع يخرج عن المألوف، ولكن بأسلوب يعكس أخلاقنا وقيمنا وتربيتنا دون اللجوء إلى كلمات ومصطلحات تنزل بالبعض إلى القاع.

ولعل تطورات المشهد السياسي الأخيرة وما ترتبت عليها من أحداث مختلفة كشفت عن هذا الأمر، خصوصاً عندما يتحول الذباب الإلكتروني إلى تبادل حرب وضرب ما بين مؤيد ومعارض سواء بأسماء مستعارة أو بأشخاص بعضهم رجال دين أو رجال علم ممن يفترض أن يرتقوا بها، ولكن الأمر الذي اتضح جليا أن هناك من يحتاج إلى إعادة علاج تربوي وأخلاقي ونفسي، وهذا الأمر يتطلب الالتفات إليه جدياً لتقييم حالات المرضى لتوسعة مستشفى الطب النفسي الذي يفترض أن يفعل دوره لاستقبال أكبر قدر من هؤلاء على دفعات لاستيعابهم وتقويم سلوكهم وأخلاقهم، وعلى وزارة الصحة أن ترفع طاقتها الاستيعابية وتستنفر لأننا نعاني وباء أخلاقياً أخطر من كورونا.

Ad

فمن المحزن أن تتابع هذا الإسفاف عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي يفترض أن تكون وسيلة هادفة بدلا من أن تصبح ساحة حرب، وقد يبرر البعض أن هذا الأمر هو جزء من الديموقراطية ولكن هؤلاء أساسا لم يتربوا على أسس ديموقراطية بل لا يعرفون ترجمتها الحقيقية أو تعريفها أو أهدافها ولكن "مع الخيل يا شقرا"، فالكل أصبح عرّابا ويفهم ويسطر ملاحم البطولات والانتقادات والبذاءات بحجة الديموقراطية التي حدودها في جلدهم للآخر.

المطلوب التزام الهدوء وترك الساحة للعقلاء من أهل الخبرة والاختصاص والناقدين الحقيقيين وأصحاب الشأن والأشخاص الذين يعرفون جيداً كيف يوصلون رسالتهم لأي طرف بطريقة محترمة ومهذبة ومفيدة، لأن عمليات القصف غير المركزة ستلحق الضرر بأصحابها والشظايا ستصيب الضحايا الذين لا ذنب لهم، خصوصا أن من يجلسون عادة في الغرف المغلقة أو خلف الستار سعداء بهذا المشهد الحزين.

ومع الأسف هناك من يتسابق لركوب الباص كالعادة ليتحول إلى أداة.

● د. مبارك العبدالهادي