مع نظرة مستقبلية مستقرة، ثبّتت وكالة التصنيف العالمية "موديز" التصنيف المصرفي للكويت عند 1A، عازية ذلك لقوة السياسة النقدية وإجراءات البنك المركزي التي "تتسم بالمصداقية، وتتمتع بالفعالية في مواجهة التحديات المالية".

وقالت الوكالة، في تقريرها المنشور على موقعها الإلكتروني ويتناول أوضاع المصارف الكويتية، إن هذا التصنيف "مدعوم بشكل أساسي بالاقتصاد القوي والمستويات العالية من الثروة والاحتياطيات النفطية الكبيرة".

Ad

وعن الاستثمارات التي تمتلكها الكويت، قالت "موديز" إن أصول الصندوق السيادي الذي تديره الهيئة العامة للاستثمار "يفوق إلى حد بعيد" الناتج المحلي الإجمالي للبلاد والديون الحكومية، وهو ما يعد مصدر قوة اقتصادية للبلاد، مبينة أنه رغم تباين وجهات النظر في بعض القضايا الاقتصادية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية فإن الكويت تتمتع بإدارة قوية للسياسة النقدية، ويتجلي ذلك في معدل التضخم المنخفض والمستقر والتنظيم "الحصيف" للنظام المصرفي من جانب "المركزي".

وشددت على أن انخفاض أسعار النفط سيعيد الاضطراب في قطاع الأعمال وأسعار الأصول المحلية، وبالتالي جودة القروض المحلية التي تقدمها البنوك للقطاع الخاص، مضيفة أن انخفاضها يؤخر كذلك تنفيذ الحكومة لخططها التنموية"، مما يزيد من آفاق النمو.

على صعيد متصل، أظهرت البيانات الواردة بتقرير وزارة المالية أن عجز الموازنة العامة للدولة بلغ 49.9 مليون دينار في الأشهر الأربعة الأولى من السنة المالية الحالية 2021-2022 مدعوماً بارتفاع قوي في أسعار النفط، مبيناً أن العجز انخفض عن الرقم المحقق خلال الفترة ذاتها من السنة المالية الماضية والذي وصل إلى 906.626 ملايين.

وأفاد التقرير بأن إجمالي الإيرادات 5.16 مليارات دينار، أي ما نسبته %47.2 من إجمالي الإيرادات المقدرة لكامل السنة المالية الحالية البالغ 10.929 مليارات.

تناولت وكالة موديز لخدمات المستثمرين تصنيف الكويت المدعوم بالاقتصاد القوي، والمستويات العالية بشكل استثنائي من الثروة والاحتياطيات النفطية الكبيرة. ومع ذلك، أشارت إلى أن الكويت كانت أبطأ من نظيراتها في المنطقة في تطوير قطاعات الأعمال غير النفطية والخاصة، وقد أدى اعتمادها الكبير المستمر على صناعة النفط إلى تقلبات في الأداء الاقتصادي للدولة.

وقالت الوكالة، في تقرير، إن درجات الحوكمة في الكويت أضعف من نظيراتها المصنفة بشكل مشابه، لكن إدارة السياسة النقدية للبلاد لا تزال مصدر قوة مؤسسية، مضيفة أن مخاطر الائتمان بالنسبة للبنوك عالية بسبب التركيزات العالية للقروض بين مقترضين أفراد والانكشاف الكبير على قطاع العقار وأسواق الأسهم المتقلبة.

وأوضحت أنه في حالة حدوث تطورات سياسية وجيوسياسية معاكسة أو انخفاض أو شهدت أسعار النفط مجددا تراجعا، فإن الثقة بقطاع الأعمال وأسعار الأصول قد تضعف وتضغط على جودة القروض المحلية للبنوك.

وذكرت الوكالة أن احتياطيات الكويت الهائلة من النفط والمستويات المرتفعة جداً من دخل الفرد تدعم تقييمها لقوتها الاقتصادية. في عام 2020، كانت الكويت تملك سابع أكبر احتياطي نفطي مؤكد في العالم ولديها أكبر نسبة احتياطيات نفطية مؤكدة إلى الإنتاج بين دول مجلس التعاون الخليجي. وبحسب معدل الإنتاج الحالي، فإن احتياطياتها النفطية قد تدوم 90 عاماً. وإلى جانب تكاليف الإنتاج المنخفضة نسبياً، يتيح ذلك للموارد النفطية للدولة أن تكون المحرك للدخل والثروة على المدى الطويل، وإضافة إلى ذلك، حققت الكويت تاريخياً فوائض مالية كبيرة وكدست أصولاً أجنبية كبيرة.

وبحسب تقديرات "موديز"، يفوق إجمالي أصول الصندوق السيادي الذي تديره الهيئة العامة للاستثمار إلى حد بعيد الناتج المحلي الإجمالي للبلاد والديون الحكومية. من ناحية ثانية، يُعد اقتصاد الكويت أصغر من نظرائه في دول مجلس التعاون الخليجي المصدرة للنفط، مما يجعل، إلى جانب اعتمادها الأكبر على القطاع النفطي، النمو الاقتصادي وإجمالي الناتج المحلي الاسمي يميل إلى أن يكون أكثر تقلباً من نظرائه.

الحوكمة والقوة المؤسسية

ويعكس تقييم "موديز" للإطار المؤسسي لدولة الكويت وجهة نظرها بأن السلطتين التنفيذية والتشريعية لا تعملان بقوة مثل تلك الموجودة في البلدان الأخرى ذات التصنيف العالي. لكن مقابل هذا الضعف، ترى الوكالة إدارة قوية للسياسة النقدية كما يتضح من معدل التضخم المنخفض والمستقر، والتنظيم القوي والحصيف للنظام المصرفي من جانب بنك الكويت المركزي.

وأضافت الوكالة أن نطاق إحراز مزيد من التقدم بشأن توافر البيانات والاستعداد المحتمل لزيادة الشفافية في السنوات المقبلة، يقابله السجل الضعيف في التنفيذ فيما يتعلق بمعظم تطلعات السياسات، مشيرة إلى ضعف بعض جوانب الإطار المؤسسي وفعالية الحكومة الذي انعكس في التدهور المطرد في ترتيب البلاد على مؤشرات الحوكمة الدولية خلال العقد الماضي، ومؤخراً، عدم القدرة على تنفيذ الإصلاحات المالية والاقتصادية المخطط لها.

ورأت "موديز" أن التأخير المستمر في تنفيذ الإصلاحات المدفوعة باعتبارات سياسية تحديداً، مثل فرض ضريبة القيمة المضافة والانتقائية الجديدة ومراجعة أجور القطاع العام، يؤثر على فعالية السياسة المالية في الكويت، إذ تتوقع أن يظل العجز المالي واسعاً حتى مع تعافي أسعار النفط.

علاوة على ذلك، امتدت العلاقة المتوترة بين الحكومة ومجلس الأمة لتشمل قضايا التمويل في السنوات الأخيرة، حيث أدى استمرار المأزق بشأن قانون الدين العام الجديد والاستفادة من أصول صندوق الأجيال القادمة إلى إثارة تحديات السيولة للحكومة ومخاطر عدم سداد السندات الحكومية. ومع ذلك، اعتبرت "موديز" أن إدارة السياسة النقدية للبلد تتسم بالمصداقية والفعالية، كما يتضح من مستويات التضخم المنخفضة والمستقرة نسبيا منذ التحول من ربط العملة بالدولار إلى ربطها بسلة عملات غير معلنة (ولكن من المحتمل أن تكون مرجحة بشدة بالدولار)، واعتبرت اللوائح التنظيمية لبنك الكويت المركزي قوية وحصيفة بشكل عام، وينعكس ذلك في الاستقرار المالي للنظام المصرفي خلال الفترات التي شهد فيها الاقتصاد الكلي تقلبات.

المخاطر

وعلى غرار معظم دول الخليج الأخرى، فإن الموقع الجغرافي للكويت يجعلها عرضة للأحداث الجيوسياسية الإقليمية المعاكسة، الأمر الذي يدعم تقييم الوكالة لمدى تعرضها لمخاطر الأحداث عند درجة "ba".

وقالت "موديز" إن إمكانية حدوث توترات بين دول الخليج وإيران وخطر إغلاق مضيق هرمز منخفضة، لكن مخاطرها عالية التأثير على الكويت، بالنظر إلى أن كل نفطها يتم تصديره عبر المضيق. ومع ذلك، تتمتع الكويت بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة (التي أظهرت التزاما قويا بحماية سيادة الكويت) ودول مجموعة السبعة الأخرى ودول مجلس التعاون الخليجي. كما تحاول الحكومة الحفاظ على علاقات مستقرة مع الجارتين إيران والعراق وقامت بدور الوسيط في النزاع الدبلوماسي في الأزمة الخليجية الأخيرة.

معدلات معتدلة

وذكرت "موديز" أن نمو الائتمان في البنوك الكويتية كان معتدلاً، إذ نمت دفاتر القروض المحلية للمصارف بمعدل سنوي مركب قدره 4 في المئة بين عامي 2015 و2020. ويتضمن هذا المستوى من النمو أيضا تسويات قروض كبيرة من قبل الشركات في عامي 2016 و2017. ومع ذلك، تؤدي تركيزات القروض الكبيرة إلى نشوء مخاطر، مشيرة إلى أن هذه التركيزات تحدث بسبب سيطرة عدد صغير من التكتلات على اقتصاد القطاع الخاص غير النفطي، وبسبب الترابط بين البنوك والتكتلات والشركات الاستثمارية.

ونظرا لهيمنة الصادرات النفطية على الاقتصاد، فإن انخفاض أسعار النفط يضعف الثقة بقطاع الأعمال وأسعار الأصول في البلاد، وبالتالي جودة القروض المحلية، كما قد يؤدي انخفاض أسعار النفط أو التطورات السياسية المعاكسة إلى تأخير تنفيذ الحكومة للمشاريع التي رصدتها في خطتها التنموية، الأمر الذي يضر أو يعيق آفاق نمو البنوك.

ورأت "موديز" أن هناك مستويات مخاطر أعلى من المتوسط في تمويل البنوك للشركات العقارية وشركات الاستثمار الكويتية والقروض الشخصية لشراء الأوراق المالية. وشكلت هذه القطاعات الدورية الثلاثة مجتمعة 31 في المئة من قروض النظام المحلي اعتبارا من نهاية أغسطس 2021، على الرغم من انخفاضها عن 49 في المئة في نهاية عام 2009.

وأضافت أن القروض الاستهلاكية المنظمة كانت المحرك الرئيسي لنمو الائتمان في السنوات الأخيرة، إذ ارتفعت نسبة هذه القروض في المحافظ المحلية الإجمالية للبنوك إلى 38 في المئة في نهاية أغسطس 2021 من 24 في المئة قبل 10 سنوات. وتعتبر هذه القروض منخفضة المخاطر نسبيا نظرا إلى أنها تقدم عموما لموظفي القطاع الحكومي الكويتيين بأقساط شهرية تستقطع مباشرة من رواتبهم.

التمويل

وقالت "موديز" إن الودائع المحلية هي مصدر التمويل الرئيسي للبنوك الكويتية، حيث تمثل 67 في المئة من التمويل غير المرتبط بحقوق الملكية في نهاية أغسطس 2021. وبناءً على ذلك، فإن البنوك منكشفة بشكل منخفض نسبياً على التمويل المحتمل من الأسواق الأجنبية المتقلبة.

وأضافت أن المطلوبات الأجنبية كانت منخفضة بنسبة 15 في المئة من إجمالي المطلوبات في نهاية أغسطس 2021 وأقل من مستوى الأصول الأجنبية للنظام المصرفي، متوقعة أن يظل هذا الهيكل التمويلي الملائم مستقرا على نطاق واسع خلال العام المقبل.

من ناحية أخرى، قالت الوكالة إن القطاع الحكومي، بما في ذلك الشركات المملوكة للحكومة والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، مازال يمثل جزءا كبيرا من الودائع. وبناءً على المعلومات الواردة من البنوك المصنفة، تشير تقديرات "موديز" إلى أن الودائع الحكومية وشبه الحكومية قصيرة الأجل تمثل في المقام الأول ما يصل إلى نصف ودائع البنوك، مما يؤدي إلى تركزات تمويلية كبيرة. ومع ذلك، اعتبرت هذه الودائع مستقرة، بناءً على سلوكها التاريخي.

ولفتت الوكالة إلى أن النظام المصرفي الكويتي يتكون من 16 مصرفاً تجارياً تقليدياً (بما في ذلك 11 مصرفاً أجنبياً) وستة بنوك إسلامية (بما في ذلك بنك إسلامي أجنبي واحد) وبنك متخصص واحد. استحوذت أكبر خمسة بنوك على حوالي 81 في المئة من إجمالي أصول النظام في نهاية عام 2020.