سألني الصديق والوزير السابق فهد الشعلة، هل قرأت أحدث رسالة دكتوراه عن مجلس 1938؟ أجبته بالنفي، فما كان منه إلا أن أرسلها لي عبر "الواتساب"، ويبدو أن الوزير "الشعلة" بعدما خرج من الوزارة تفرغ إلى البحث والتأليف والقراءة وهو المعروف عنه قدرته على معرفة أمهات الكتب واطلاعه على الجوانب التاريخية الخاصة بالكويت والجزيرة العريبة وخدمته الطويلة في إدارة نزع الملكية.

معظم الدراسات السابقة عن مجلس 1938 ركزت على الصراع بين الشيوخ والتجار، متجاهلة المفهوم الجديد الذي ناقشته رسالة الدكتوراه لصاحبها عبدالرحمن الإبراهيم والحاصل عليها من جامعة إكستر في لندن وهي بعنوان " the balancing powers in Kuwait during the 1938 Majlis Movement"، وترجمتها باللغة العربية "القوى المرجّحة في الكويت خلال حراك مجلس 1938".

Ad

استخدم الباحث عبارة القوى "المرجّحة" أي الموازنة لإبراز دور المهمشين الذي أغفلتهم الدراسات الأكاديمية السابقة، أي القوى الاجتماعية من علماء الدين والغواصين والقوى العاملة والبدو والقرويين والشيعة (العرب والعجم) والمثقفين، ويبرر صاحب رسالة الدكتوراه هذا التوجه نظراً إلى أن الرواية التاريخية السائدة تصف تلك الجماعات بأنها معزولة عن الحياة السياسية وجوانب المجتمع الأخرى.

يعتبر الإبراهيم أن التركيز على وجود قوتين رئيستين فاعلتين في تاريخ الكويت السياسي الحديث، الشيوخ والتجار صحيحة لكنها غير دقيقة، لذلك كان تناوله "للقوى المرجّحة" أي مختلف شرائح المجتمع والتي لا تنتمي إلى تلك الفئتين.

الدراسة تؤكد على الدور الحاسم الذي أدته الجماعات الأخرى في التاريخ الاجتماعي والسياسي، وهو ما ترك تأثيراً بالغاً في ميزان القوى بين الشيوخ والتجار، ومن ثم فإن مفهوم "القوى المرجحة" يشكك في الصورة التقليدية لتاريخ الكويت قبل الاستقلال كما كتبها معظم المؤرخين، ويشير البحث إلى أن "القوى المهمشة" استمدت قوتها من عوامل مختلفة وبعضها من أنماط حياتية مثل البدو وارتباطهم بالقبيلة وأهل القرى كذلك أو العجم والعرب كارتباط عرقي وبعضها كان ارتباطه جغرافيا مثل أهل القرى، وتضم فئات تجمعهم المهنة مثل الغواصين وأخيراً المثقفين، علماً أن هناك درجة كبيرة من التداخل بين تلك الفئات وعدم وجود وثائق وإحصاءات مفصلة.

يضرب مثلاً بخالد العدساني، الذي أدى دوراً مهماً في حركة 1938 كسكرتير للمجلس التشريعي وأحد مؤسسي الكتلة الوطنية، ويمكن تصنيفه مع طبقة التجار، والمثال الآخر يتعلق بالعجم أو الإيرانيين، هذه الفئة وإن كان الغالب عليها المذهب الشيعي، من الصعب وصفها بأنها كتلة شيعية، والحال كذلك ينطبق على العرب (سنّة وشيعة) تكاد المصادر المحلية التي ناقشت مشاركة أهل القرى في أحداث عام 1938 منحصرة في التاريخ الشفهي المتناقل، وهو ما يحاول هذا البحث إثباته من خلال ذكر أمثلة ومشاركة أفراد من قرى مثل الفنطاس وأبوحليفة والفحيحيل مساندين للحاكم.

تحدث عن دور "القوى المهمشة" في الصراع بين الشيخ والمجلس ومنهم الشيعة العجم والتأييد الذي قدموه للحاكم، كذلك البدو والقرويون الذين أدوا دوراً رئيساً في دعم الشيخ، أما أنصار المجلس فكان الجسم الأساسي فيه هم كتلة الشباب الوطني.

استفاد الإبراهيم في دراسته من محاضر اجتماعات المجلس التشريعي، وهي بحوزته وتبلغ مئة ورقة من القطع الكبير، ونشره لكافة الأسماء التي وردت بالمحاضر.

حاولت الدراسة تقديم رؤية مختلفة لحدث مهم في تاريخ الكويت من خلال قراءة زواياه المهمشة وغير التقليدية، وهنا تكمن أهمية رسالة الدكتوراه، وما أقدم عليه الباحث بتسليط الضوء على أبعاد تاريخية مجهولة أو مهمشة أو مسكوت عنها.

تجاوز فكرة الصراع بين الشيوخ والتجار في قراءة أحداث مجلس 1938 من خلال مفهوم جديد أطلق عليه تسمية "القوى المرجحة" بحيث خرج من الإطار التحليلي التقليدي والتي ترتكز على ثنائية الشيوخ والتجار.

تنتهي مجلة "الأسطورة" القطرية التي نشرت ملخصاً لرسالة الدكتوراه إلى القول إن من مسؤوليات الباحث الخليجي أن يساهم في إعادة قراءة تاريخه بصورة متعمقة، لأن لديه القدرة على التحليل والإلمام بالجوانب الاجتماعية والثقافية والسياسية.

حمزة عليان