يتقلّب لبنان على صفائح ساخنة، والآفاق تُسدّ بوجه اللبنانيين، في حين تنحو الوقائع السياسية نحو المزيد من التوتر والتصعيد.

كل المؤسسات معطّلة، فالحكومة لا تزال في «موتها السريري» تنتظر تسوية قضائية تتعلق بإيجاد صيغة توافقية لتغيير مسار التحقيقات في تفجير مرفأ بيروت، أو بعبارة أخرى إنهاء التحقيق دون الوصول إلى نتيجة.

Ad

ويرزح القضاء تحت ضغوط كبيرة، فقد وضع «حزب الله» معادلة واضحة: «التحقيق في الطيونة مقابل التحقيق في تفجير مرفأ بيروت»، وسعى إلى إحراج رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، من خلال إصدار القضاء العسكري استدعاء للاستماع إلى إفادته في حادثة الطيونة.

رفض جعجع ذلك، معتبراً أن الاستدعاء مشبوه، وهذا ما يريد «حزب الله» الوصول إليه، وهو دفع المتمسكين بتحقيق المرفأ إلى انتقاد القضاء وعدم المثول أمامه، ليبرر موقفه ويصعّد من هجومه ضد القاضي طارق البيطار.

يمارس الحزب أقصى أنواع الضغوط على جعجع، ويلتقي في ذلك مع رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره جبران باسيل اللذين يسعيان إلى تسديد ضربات قوية لجعجع وتطويقه قضائياً وسياسياً قبل الانتخابات النيابية. وسط هذه الوقائع، لا بوادر لأي انفراج، فشرط الحزب لا يزال على حاله، وهو عدم عقد أي جلسة للحكومة قبل اتخاذ قرار بتنحية البيطار أو تغيير مسار التحقيق. لهذه الغاية عقد مجلس القضاء الأعلى اجتماعات في اليومين الماضيين، ولم يتوصل إلى أي صيغة تتعلق بالتحقيق، إذ إن أغلبية أعضاء المجلس يرفضون وضع إملاءات على القضاء والتدخلات بمسار التحقيق، ولذلك لا تزال الحكومة معلّقة.

صراع قضائي آخر يطلّ برأسه، وعنوانه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي يصر رئيس الجمهورية ميشال عون على محاسبته ومحاكمته، خصوصاً بعد أن استعادت القاضية غادة عون صلاحياتها. وبحسب ما تكشف المعلومات فهي تتجه لمعاودة تحريك الملف القضائي الخاص بسلامة وإمكانية إصدار مذكرة توقيف بحقه، على خلفية اتهامات عديدة له عنوانها تبييض الأموال، ويضغط رئيس الجمهورية في سبيل إصدار مذكرة التوقيف بحق سلامة، تمهيداً لإقالته من منصبه وتعيين آخر مكانه، وهذا أمر يرفضه حتى الآن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي يعتبر أن مثل هذه الخطوة ستعني توجيه ضربة كبيرة لحكومته، وسيكون هناك ردة فعل سلبية من قبل المجتمع الدولي. رئيس الجمهورية مصرّ على مطلبه، ويعتبر أن إقالة سلامة كانت من الشروط الأساسية، التي فرضها على ميقاتي في فترة التفاوض لتشكيل الحكومة.

كل هذه الوقائع تشير إلى أن لبنان جاهز في أي لحظة للولوج إلى جولة جديدة من التوترات الأمنية، على خلفية التوتر السياسي والتصعيد بين القوى والأفرقاء على اختلافاتهم. الانسداد الحكومي والقضائي يقابله خلاف مستمر بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب نبيه بري حول تحديد موعد الانتخابات النيابية.

وبينما أصدر «التيار الوطني الحر»، أمس، بياناً يدعم فيه ردّ عون لقانون الانتخاب المعدل إلى البرلمان، أصدرت حركة أمل بياناً لاذعاً ضد «التيار»، في حين سارع بري إلى تحديد موعد لجلسة جديدة للتأكيد على القانون المعدل الذي يقرّب موعد الانتخابات.

وفي حال أقرت الجلسة القانون فسيكون عون، حسب الدستور، مجبراً على توقيعه ونشره في الجريدة الرسمية، إلا أن تكتل «لبنان القوي» سيطعن بالقانون وهو ما سيكون مقدمة لتأخير الانتخابات، وسط تخوفات سياسية من أن يقود التوتر السياسي والأمني إلى تطييرها بالكامل، وبالتالي الدخول في فراغ قاتل يصيب كل المؤسسات.

● بيروت ـ منير الربيع