نشرت جريدة "الجريدة" عدة تقارير وتصريحات مخيفة عن تردي مستوى مخرجات التعليم، التصريحات صدرت عن خبراء ورجال تعليم، وكلها تدق ناقوس الخطر، ومع أن كل وزارات التربية المتعاقبة تعلم بذلك إلا أن الشواهد تدل على أن آليات التغيير المنهجية تمت باستخفاف وعدم مبالاة ولم تدرس عواقب مخرجاتها في سنوات لاحقة رغم وجود لجنة متابعة.

الملاحظ أن هيمنة بعض الأحزاب السياسية في السنوات السابقة ألقت بظلالها السلبية على المناهج، بعد أن كانت أفضلها وأرقاها، فأتى من خرّب المفهوم العلمي البحت والوطني وحتى الديني على الأجيال الحالية، المشكلة الكبرى والخطيرة أن نتائج مخرجات التعليم، وحتى نتائج تغيير المناهج لا تظهر عيوبها أو فوائدها إلا بعد انتهاء الفترات التعليمية مرحليا، وعلى الأقل بعد أربع أو ست سنوات من بدء التغيير.

Ad

ما ضاعف تردي عملية التعليم والتدريس أن التوجه الى الاستعانة بالمعلمين الأكفاء وأصحاب الضمير توقف، واستعين بدلا منهم بمدرسين ذوي مستوى متدن، وبعضهم ذوو نفوس ضعيفة، رغم أهمية التعليم لخطورته وارتباطه بأجيال ستمسك يوما ما إدارة البلد، وقد مسكت.

ما نراه أن انحطاط مستوى التعليم بدأ عندما أنشئ معهد الكويت للمعلمين، فقد اكتُفي وقتها بأن يكون مدّرس المراحل الابتدائية خريج المتوسط زائد أربع سنوات في المعهد، وبما أن المعهد كان يدفع 40 ديناراً مكافأة شهرية لكل طالب، وكان وقتها مبلغاً له قيمته، فقد اكتظ المعهد بكل أنواع الطلبة بغض النظر عن مستواهم أو حتى رغبتهم الحقيقية بالتدريس، فتوجه أكثر الطلبة إلى التخصصات السهلة، وهي الرياضة والرسم، وحتى الموسيقى، ولكن المشكلة الكبرى أن مخرجات هذا المعهد تسلموا أمانة تدريس المرحلة الابتدائية، وهي أهم مرحلة من مراحل التعليم.

هناك خطأ جسيم آخر ارتكبته الحكومة وهو دمج المرحلتين الدراسيتين بعد التحرير، فلم يكن هناك مسوغ ولا داع لذلك، فكان الأفضل للتلاميذ أن يتأخروا سنة دراسية وهم مستوعبون مناهجهم على أن ينتقلوا الى المرحلة الأعلى بصورة أثرت على كل المخرجات التعليمية لتلك الفترة.

الاعتراف بأن "مستوى طالب الثانوية في الكويت لا يتجاوز طالب السابع مقارنة مع دول مجاورة"، إضافة الى تدني تصنيف جامعة الكويت جاءا متأخرين جدا، فهناك فاقد تعليمي كبير لكل المراحل التعليمية، ومنهم طلبة الصفوف الثلاثة الأولى للمرحلة الابتدائية، "إلى درجة أن نحو 30 في المئة من هؤلاء الطلبة لا يعرفون حتى الطريقة الصحيحة للإمساك بالقلم أو كتابة أسمائهم"، "فالتعليم العام في الكويت متخلف بنحو 4.8 سنوات مقارنة بدول تنفق أقل مما تنفقه الكويت"، أما جامعة الكويت الوحيدة فقد هوى مستوى تصنيفها إلى ما بعد الألف.

نقول: لا شك أن غياب الرقابة والصرامة الحكومية ضد الغش وتزوير الشهادات شجع على انتشارهما بشكل خطير، فخطورتهما أنهما منحتا حامليها امتيازات مالية، وفتحت الباب لهم للارتقاء الى أعلى مراكز السلطة واتخاذ القرار، حتى أن بعضهم تولى مهام التدريس في المدارس وحتى الجامعات، وكانت النتيجة المزيد من التخلف في التعليم العام والعالي، فيكفي الحصول على شهادة عالية، مهما كان تخصصها، ومستواها، وبغض النظر عن كونها مزورة أو حصل عليها بالغش، فزاد التكالب عليها.

إحدى مشاكل التعليم عدم التميز في الراتب والمكافآت لمعلم المواد العلمية، ولا للمجتهد ولا لمن يبذل جهده في التعليم، وليس هناك وجود لثقافة الثواب والعقاب، والتسيب والالتزام، والاستهتار والعطاء.

لا نريد أن نلقي باللوم على الحكومة وحدها، فأولياء الأمور يتحملون المسؤولية الأكبر لتردي مستوى أبنائهم، فبعضهم شجعهم على الغش وخرجوا معهم في مظاهرات ضد عقاب من غش، لا يقال عنها إلا أنها تدل على منتهى الانحطاط الأخلاقي، فهم من شجعهم على تزوير شهاداتهم، أما الحكومة فقد تمادت في تغاضيها وتساهلها تجاههم حتى وصلنا الى هذا المستوى المتدني علميا وأخلاقيا.

طلال عبد الكريم العرب