"بين صرخة الولادة الأولى وحشرجة الموت، هذه هي رحلة الإنسان في الحياة وبها تكتب صحائفه".

بهذه الجملة، استهل المرحوم الدكتور أحمد الربعي اللقاء التلفزيوني الذي أجريته معه في سبتمبر 2006 بعد عودته من أول رحلة علاج له في الولايات المتحدة، إثر إصابته بالمرض الخبيث، وكان ذلك أول وآخر لقاء تلفزيوني له، رحمه الله، بعد عودته من رحلة العلاج إلى أن وافاه الأجل يوم الأربعاء الخامس من مارس 2008.

Ad

استعادت الذاكرة ذلك الحديث مع الراحل العزيز بوقتيبة، بعدما غيّب الموت عزيزاً آخر يوم الجمعة الماضي، الثامن من أكتوبر 2021 ، هو المرحوم فيصل الحجي، الذي رثيناه جميعاً، وبكته قلوب وعيون محبيه مثلما الحال مع أحمد الربعي قبل ثلاثة عشر عاماً، ورموز أخرى تركوا بصمات بعد مماتهم لا تخطئها البصائر والأبصار، نحزن عليهم لا اعتراضاً على إرادة الخالق، بل على فقدهم كنماذج جمعتهم قواسم مشتركة في نبل الصفات وصدق السرائر ونزاهة السلوك ومحبة الأوطان.

وحين تداعت لخاطري كلمات المرحوم أحمد الربعي حول ما بين اللحظتين، شرد بي التفكير إلى وجوب استلهام الدروس والعبر مما مر ويمر أمامنا من أحداث تتسارع مع تسارع وتيرة الأيام، ولنتوقف ما أمكن أمام حقيقة أن التاريخ لا يغفر لمن يهدر فرص إضاءة الإشراقات هنا أو هناك، تأسياً بنماذج سبقته من الرجال أو النساء من ذوي الهمم العالية.

وتداعت أمامي قائمة الراحلين من الأهل والأصدقاء والمعارف والشخوص العامة محلياً وخارجياً، وكم منهم عاش حياته وكرسها لأعمال الخير وإسعاد الآخرين وخدمة الأوطان، فخلدهم التاريخ وافتخر الناس بعطاءاتهم، وكم من البشر أمضى حياته متأبطاً شروره ومُشعلاً نيرانها من حوله، وخان أماناته وأساء لوطنه وأهله، فراكم رصيده الرديء ليزدريه الناس والتاريخ معاً.

الدول والأمم والحضارات قامت ونهضت على أيدي القدوات والنزهاء والمخلصين والمبدعين، وانهارت أمم ودول وحضارات وشقت البشرية بفعل أشرار لا يزالون مصبًّا للّعنات.

السعيد فينا من يجهد نفسه لإسعاد الآخرين، وزرع الأمل ومفاهيم الخير والعطاء والنزاهة، ونشر العلم والفكر المستنير وطيب الخُلُق والمعشر فتُخلّد الأيام ذكراه، والشقي من يكرس حياته لإيذاء من حوله، فلا يجني سوى الازدراء حياً وميتاً.

رحم الله رموزاً غادرونا بحسن ذكراهم، وبارك برموزٍ يصنعون الفارق بجميل عطاءاتهم، وتبارك القائل:

"وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى، ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى".

***

تغريدة:

تداولت وسائل التواصل تصريحاً لا نعلم مدى صحته بأن نائباً سابقاً أنكر الإسهامات الجزيلة التي قدمتها الكويت ودول الخليج لإعمار لبنان، وأشاد بإسهامات إيران هناك، بعد أن دمرته بمعاولها.

ونأمل ألا يصدق ذلك الخبر لأنه من العيب أن يصح!

يوسف الجاسم