رحّب النظام الإيراني في البداية بانتصار حركة "طالبان" على الحكومة المركزية في كابول، فاحتفل بإهانة الولايات المتحدة، عدوّتهما المشتركة، ومع أن إيران الشيعية و"طالبان" السنّية تحملان معتقدات دينية مختلفة، فقد طوّر الطرفان علاقات قوية منذ هزيمة "طالبان" الأولى على يد القوات الأميركية في عام 2001، حيث يفسّر العداء المشترك للولايات المتحدة هذه الشراكة فيحاول الفريقان كبح النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط وفي أنحاء العالم الإسلامي.

لكن قد تتجدد الاضطرابات التقليدية بين الطرفَين قريباً، لا سيما إذا تابعت "طالبان" اضطهاد جماعات الطاجيك والهزارة الناطقة باللغة الفارسية (تشكّل أقلية شيعية في أفغانستان)، أو إذا أثّرت على وصول إيران إلى موارد المياه القيّمة، أو سمحت لأفغانستان بأن تصبح منطقة نفوذ لباكستان أو تركيا أو قطر، خصوم الجمهورية الإسلامية في المنطقة.

Ad

تاريخياً، نشأت علاقات عدائية وودّية بين طهران و"طالبان"، بحسب تغيّر الظروف القائمة، فقبل هزيمة الحركة أمام الأميركيين في عام 2001، كاد الطرفان يخوضان الحرب غداة إقدام "طالبان" على قتل دبلوماسيين إيرانيين في عام 1998 وتعاملها الوحشي مع جماعة الهزارة.

لقد سُرَّت الجمهورية الإسلامية حتماً بسقوط "طالبان" في عام 2001، لكن علاقة طهران مع الحكومات الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة لاحقاً بقيت مضطربة، حيث كان التعاون الوثيق بين كابول والغرب وعدائية طهران تجاه أوروبا والولايات المتحدة يعنيان أن إيران وأفغانستان لن تُطوّرا أي شكل من الثقة المتبادلة يوماً.

أعلنت طهران صداقتها للبلد ظاهرياً لكنها بَنَت في المقابل شبكة منفصلة من النفوذ الديني والسياسي في أفغانستان، وسلحت ومولت المتمردين في "طالبان"، وحاولت إضعاف سيطرة الحكومة الأفغانية على نهر هلمند الذي تعتبره طهران مصلحة استراتيجية متوسّعة نظراً إلى شحّ المياه الذي تواجهه محلياً، فقد أدى نقص المياه أيضاً إلى توسّع الاحتجاجات في إيران، وسيبقى سبباً أساسياً للاضطرابات التي يواجهها النظام الديني، لذا سيكون تأمين المياه من نهر هلمند على رأس أولويات الجمهورية الإسلامية، وتبدو طهران مستعدة لفعل كل شيء لتحقيق هدفها.

اتّهمت السلطات الأفغانية إيران بتقديم رشوة إلى المسؤولين الأفغان لتأجيل بناء سد كمال خان في نهر هلمند كونه سيعوق تدفق المياه إلى إيران، وادعى أحد قادة "طالبان" في عام 2011 أن إيران عرضت عليه 50 ألف دولار لتفجير السد، ويظن عدد كبير من الأفغان أن اعتداءات "طالبان" المتكررة على السد في السنوات الأخيرة (أسفر بعضها عن مقتل عناصر أمن) حصلت بأمرٍ من النظام في إيران.

من المتوقع أن يؤدي تجدّد اضطهاد أقليات الطاجيك والهزارة في أفغانستان إلى إثارة استياء طهران أكثر من أي شيء آخر، لا سيما إذا أصبحت الحملة جماعية، ففي الشهر الماضي، ذكرت تقارير منظمة العفو الدولية أن "طالبان" قتلت تسعة رجال من الهزارة في شهر يوليو بعد سيطرتها على محافظة غزنة الأفغانية.

كذلك، تضع طهران باكستان وقطر وتركيا في خانة خصومها، ومن الطبيعي أن تشعر بالقلق من دعم "طالبان" لها، حيث أقدمت باكستان على تسليح وتمويل "طالبان" ومنحتها التوصيات حول طريقة الاستيلاء على السلطة، في حين حافظت قطر وتركيا على قناة تواصل بين الحركة والعالم الخارجي عبر خطوات مثل إبقاء مطار كابول مفتوحاً. للضغط على "طالبان" ودفعها إلى احترام المصالح الإيرانية، قد تقدّم طهران التمويل والأسلحة إلى "جبهة المقاومة الوطنية" في أفغانستان بقيادة أحمد مسعود الذي يمثّل عدداً كبيراً من الطاجيك الذين يحاربون "طالبان" في وادي بنجشير، على افتراض أن مسعود يستطيع أن يصمد لفترة كافية كي يتلقى المساعدات الإيرانية. مسعود هو ابن زعيم المقاومة الأسطوري والمعادي لحركة "طالبان"، أحمد شاه مسعود، وقد تلقى دعماً من النظام الديني أحياناً.

كذلك، تستطيع طهران أن تضغط على "طالبان" وتتصدى لنفوذها الإقليمي عبر "لواء فاطميون": تتألف هذه الميليشيا العميلة من آلاف المسلحين الشيعة الأفغان الذين تدرّبوا على يد الحرس الثوري الإيراني وقد اكتسبوا خبرة واسعة من المعارك في سورية والعراق، قد تحاول إيران أيضاً أن ترسلهم إلى أفغانستان لمحاربة "طالبان".

تُعتبر الهزيمة الأميركية في أفغانستان دعما للنظام الديني الإيراني، حتى الآن على الأقل، لكن قد تثبت "طالبان" قريباً أنها ليست شريكة ثابتة، فإذا عجز الطرفان عن تجاوز خلافاتهما، فقد يكتشفان أن أي نظامَين إسلاميَين متشددَين قد يحملان اختلافات دينية وثقافية وجيوسياسية كافية كي يتحوّلا إلى أشرس الأعداء.

* علي رضا نادر ونافيد محبي

Washington Examiner