تناولت القنوات الفضائية العربية، بكثير من الاهتمام وسيل من التحليل، عارض الشلل المؤقت الذي أصاب العالم الافتراضي بتعطّل خدمات بعض مواقع التواصل الاجتماعي مساء الرابع من الشهر الجاري، فتأكد المؤكد بأن الشبكة العنكبوتية أحكمت سيطرتها على خناق العالم وسلبت اهتمامات الشعوب، وبخاصة العربية منها، رغم الكم الهائل من المشاكل اليومية والتقلبات السياسية والأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي من المفترض أنها تؤرق مضاجعنا في كل ليلة.

وقد تعددت الآراء وتنوعت التحليلات وتنافست "الفزلكات" في متابعة الحدث "الجلل"؛ ففي حين اعتبر بعض "الخبراء" أن في الأمر مؤامرة ضد شركة "فيسبوك" وضد صاحبها الملياردير، اعتبر البعض الآخر أن ما حدث هو عقاب طبيعي لما أوصلتنا إليه هذه المواقع من ارتباط كلي بمخرجاتها، كما استرسل آخرون في تكهنات معقدّة تقنياً عنوانها العريض كلمة "ربما"، وبشرنا بعض المتحمسين بأن عصر التواصل الاجتماعي بدأ بالتراجع شأنه شأن "الهيمنة الأميركية" على العالم!

Ad

الواقع أن استماعي- من غير استمتاعي- لهذه التحليلات العبقرية، أعاد إليّ شعور الاستهجان نفسه الذي روادني عند متابعتي لمداخلة ضابط عربي متقاعد استضافته في عام 2003 قناة "الجزيرة" للتعليق على الدخول البري للقوات الأميركية الى العراق، حيث أكّد يومها "الخبير في الشؤون العسكرية" أن فرق "المارينز" ستواجه جملة من العقبات العملانية ومن أبرزها طبيعة الأرض الموحلة في مستنقعات "الأهوار" وتخفّي بعض المقاتلين بين سيقان القصب والحشائش البرية!

حينها تسمّرت مذهولاً في حضرة بعض مستسهلي الإطلالات الإعلامية كخبراء ومتخصصين في التكنولوجيا ووسائل التواصل الإلكتروني، تخيّلت في الوقت نفسه وضع خلية النحل التي تضم صفوة العلماء الذين يتسابقون بالتنافس والتكامل لاكتشاف العطل وإصلاح الخلل بغية إعادة الحال الى ما كانت عليه لدى مليارات المستخدمين.

وقد بالغت مخيلتي في تصوّر أشكال هؤلاء "المنقذين" وتكهّن أعراقهم وتوقّع أديانهم، وكان يقيني ثابتاً بأن من بينهم العربي المهاجر، الغربي المغامر، المؤمن والكافر، الأشقر والأسمر، الذكر والأنثى! وما زلنا نحن في أوطاننا نقف عند حدود التباهي بأعراقنا، نتعصب لأنسابنا، نتصلّب لأفكارنا، نتحجر لمعتقداتنا، ونقفل أبوابنا أمام الوافدين الينا حتى للسياحة أو الاستثمار. وما زلنا ندعو عاجزين لمقاطعة منتجاتهم الاستهلاكية الرخيصة في حين نتباهى بقيادة أفخم سياراتهم ونحتفظ بأثمن مجوهراتهم ونقتني أغلى ساعاتهم!

كثيرة هي علامات التعجب التي ختمت بها الأسطر القليلة السابقة، وكثيرة هي نقاط التوقف التي يجب أن نستغلها للتمعن في حال التردي الحضاري الذي نعيش تداعياته في كل تفاصيل حياتنا، وقد يكون من أول واجباتنا وأبسطها العودة الى سير وكتابات أسلافنا من عباقرة العلم الذين نقف ثابتين عند حدود التباهي بإنجازاتهم دون أن نتقدم خطوة واحدة في المسار الذي أطلقوه وأكملته بنجاح الشعوب الأخرى.

فشكرا "مارك زوكربيرغ"، لأنك نبهتنا مرة أخرى الى حال "الخبراء" لدينا الذين يعدوننا بالسيطرة على الكرة الأرضية مستقبلاً، وقد يتحقق ذلك قريباً بالفعل عندما تنجح جميع الشعوب باستيطان الكواكب السيارة تاركة لنا الأرض بما فيها لنتقاتل على خيراتها المتبقية، ولنعيش على أطلال ماضينا فيها، ولنستعيد حضارة الأندلس التي لم نحافظ عليها كالرجال فبكيناها كالنساء!

وعذراً "ابن خلدون"، لأننا لم نفلح في فهم ولا استيعاب دروسك عن العمران ونشأة الحضارات وانهيار الدول وطبائع الشعوب وأثرها في كل ما سبق.

* كاتب ومستشار قانوني.

د. بلال عقل الصنديد