بعد خمسة أيام يحل الصمت الانتخابي في العراق، ويحل البرلمان نفسه، لإجراء الاقتراع العام في العاشر من الشهر الجاري، والذي يوصف بأنه أخطر تجربة لاختيار النواب منذ سقوط صدام حسين، إذ جاءت بعد احتجاجات شعبية واسعة امتزجت بالعنف الأقصى وتتواصل طوال عامين.

كما أن هذه الانتخابات تأتي بعد أوضح مواجهات من نوعها بين حكومة مصطفى الكاظمي والفصائل الموالية لإيران، والتي تبسط نفوذها على كثير من قرارات الأمن والسياسة، وهي متهمة بقتل مئات المحتجين والناشطين، بينما تبدو الطرف الأكثر حماساً لخوض الانتخابات، حتى إن قيس الخزعلي زعيم «عصائب أهل الحق»، الفصيل الأكثر تشدداً، وصف الانتخابات، أمس الأول، بأنها ستحدد مصير بقاء فصائل «الحشد الشعبي» من عدمه، متعهداً بتحقيق فوز كاسح لـ «كتلة الفتح» الممثلة للمجاميع المسلحة، رغم أنهم حسب تعبيره لا يملكون دعم أميركا وبريطانيا ودول عربية اتهمها بالسعي لتزوير الانتخابات، لمصلحة تيار داعم للحكومة مثل تحالفات عمار الحكيم وحيدر العبادي وتيار مقتدى الصدر.

Ad

وتلقت فصائل الحشد ضربة معنوية كبيرة قبل أيام، حين أعلن حلفاء المرجع الديني الأعلى السيستاني انسحابهم من كل مسميات «الحشد»، في إشارة علنية رافضة لنهج الفصائل وسياسات إيران، لكن «الحشد» قام بتعويض ذلك عبر ضغوط على القضاء أعادت تعيين ثلاثين ألف مقاتل من الحشد كانوا فُصلوا لهربهم من حرب «داعش»، مما يمنح الفصائل أكثر من 100 ألف صوت، حسب المراقبين، ترجح كفتها في المنافسة.

إلا أن حكومة الكاظمي سارعت للرد على خطوة إعادة المفصولين بحرمان «الحشد»، البالغ تعداده أكثر من 100 ألف مقاتل، من التصويت الخاص الذي يسهل مشاركة القوى الأمنية والجيش في الإدلاء بالأصوات، مما يعني تقييد التلاعب والضغوط، التي تمارسها الميليشيات، ودفع عناصرها نحو التصويت العام وتعقيداته.

كما سارعت الحكومة إلى إعلان صعوبات مالية وإدارية أمام إعادة تعيين الآلاف من مفصولي «الحشد»، حيث ردت بذلك على الأمر القضائي، ورهنته بمراجعات مطولة للموازنة المالية الهائلة، التي يتلقاها «الحشد» من الدولة، وتبلغ نحو ملياري دولار سنوياً، كما تدور شكوك عميقة حول طرق إنفاقها وصفقات تسلحها المستقلة مع مخازن حرس الثورة الإيراني وامتداداته الأخرى في سورية ولبنان.

ورفضت الفصائل القرارات الأخيرة بشأن تصويت الحشد وإعادة الآلاف من مفصوليه، وعدوا ذلك استهدافاً للتضحيات الجهادية لمحور المقاومة.

وخسرت الفصائل تعاطف حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي، التي استقالت إثر الاحتجاجات الواسعة، كما فشل حلفاء إيران في الدفع بمرشح بديل بعد أن رفض رئيس الجمهورية سبعة من الشخصيات الحليفة، وتمسّك بمرشح لا ترفضه الاحتجاجات.

وتجد الفصائل أن الاقتراع العام فرصة لتعويض ذلك، وتقول إن فوز التيارات الداعمة للحكومة سيعني استمرار الجهود العراقية لتذويب ميليشيا الحشد.

وتعكس تحركات الأسبوع الأخير قبل الانتخابات، شدة الصراع المرتقبة على نتائج الاقتراع والطعون المحتملة، والصراع الأكبر على منصب رئيس الحكومة، فبعد أن كانت الفصائل مضطرة لتمرير شخصية معتدلة مثل الكاظمي، يبدو أنها اليوم مصممة على رفض المرشحين المشابهين، حتى لو كلفها ذلك افتعال نزاعات وصراعات يسميها زعيم التيار الصدري أحياناً بخيار التهديد بإحراق البلاد، بدل التنازل عن النفوذ.

● بغداد - محمد البصري