يعرف كوكب الأرض ارتفاعا مُستمرا في درجات الحرارة، وكذلك الحال بالنسبة إلى الجغرافيا السياسية العالمية، وفي حين لم يبق سوى أقل من شهرين على انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرين الحاسم المعني بتغير المناخ (كوب 26) في غلاسكو، يتعين على الولايات المتحدة والصين الالتزام بالتعاون في مواجهة التحدي الوجودي الذي يُمثله الاحترار العالمي، ومع ذلك لا تزال العلاقات الثنائية مُثقلة بانعدام الثقة والعداوة وحتى إثارة الحروب.

ومن الناحية الفنية، تُبدي كل من الولايات المتحدة والصين الاستعداد للتعاون في مواجهة أزمة تغير المناخ، لكن الصين لا ترغب في القيام بذلك إلا في سياق أوسع من المشاركة البناءة، وعلى النقيض من ذلك تلتزم الولايات المتحدة "بالتعاون المناخي بشكل اختياري"، حتى تتمكن من الحفاظ على سياسة الاحتواء والمنافسة في كل المجالات الأخرى تقريبا.

Ad

وقد ظهرت هذه الفكرة الأسبوع الماضي، مع الإعلان عما يُسمى التحالف الأمني "أوكوس"، وقد وافقت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة للتو على مشاركة التكنولوجيا المتقدمة- والحساسة للغاية- مع أستراليا، وتزويدها بغواصات تعمل بالطاقة النووية، ووفقا للرئيس الأميركي جو بايدن، يتلخص الهدف من إقامة هذا التحالف في تعزيز "حتمية ضمان السلام والاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ على المدى البعيد".

لكن هذا ليس هو رأي الصين، وكما أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية تشاو ليجيان، فإن تحالف "أوكوس" يعكس "عقلية المصلحة الأحادية" و"يُلحق ضررا بالغا بالسلام والاستقرار الإقليميين، ويُشجع على سباق التسلح، ويُقوض معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية".

يتبع الاتحاد الأوروبي نموذجا بناء وأكثر إيجابية للمشاركة الغربية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، فبعد يوم واحد فقط من الإعلان عن إقامة تحالف "أوكوس" الأمني، أعلنت المفوضية الأوروبية استراتيجيتها الأوروبية للتعاون في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والتي تؤكد "المشاركة مع المنطقة لبناء شراكات تعمل على تعزيز النظام الدولي القائم على القواعد، والتصدي للتحديات العالمية، ووضع الأسس لتحقيق انتعاش اقتصادي سريع وعادل ومُستدام يؤدي إلى ازدهار طويل الأمد".

ويعكس نهج الاتحاد الأوروبي اعترافه بالمصالح الاقتصادية المشتركة، حيث تُمثل التبادلات بين الاتحاد الأوروبي ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ أكثر من 70٪ من التجارة العالمية في السلع والخدمات، وأكثر من 60٪ من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، كما يهدف إلى تحفيز التقدم في المجالات الحاسمة الأخرى، بما في ذلك "الديموقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان والالتزامات المتفق عليها عالميا"، مثل أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة واتفاقية باريس للمناخ.

وعلى عكس الولايات المتحدة، يُدرك الاتحاد الأوروبي أن العمل المناخي والازدهار الاقتصادي أكثر أهمية من إثارة الحروب، وتتعهد أوروبا بالعمل "كشريك موثوق به" لدول منطقة المحيطين الهندي والهادئ، مما يُحقق "قيمة مضافة" لعلاقاتها الطويلة الأمد في المنطقة. (تم التذكير مؤخرا بأن بعض الشركاء ليسوا "موثوقين" إلى حد كبير: فقد أحبطت اتفاقية "أوكوس" فعليا صفقة أستراليا بقيمة 50 مليار دولار أسترالي (36 مليار دولار) مع فرنسا لشراء 12 غواصة تقليدية تعمل بوقود الديزل).

ولكن من المؤسف أن النهج الإيجابي الذي تبناه الاتحاد الأوروبي في التعامل مع منطقة المحيطين الهندي والهادئ لن يُفيد كثيرا في ضمان توصل مؤتمر المناخ "كوب 26" إلى الالتزامات الطموحة اللازمة لتجنب الاحتباس الحراري الكارثي للكوكب، ويجب ألا يفوتنا أن الالتزامات الحالية ليست كافية بأي حال من الأحوال، ووفقا لتقرير حديث صادر عن معهد تشاتام هاوس، فإن فرصتنا الحالية تبلغ أقل من 5٪ في الحفاظ على الاحترار العالمي عند مستوى "أدنى بكثير من" درجتين مئويتين، مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، كما تنص اتفاقية باريس.

يُحذر التقرير من أنه إذا لم يتم خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية قبل عام 2030، فإن ما يقدر بنحو 3.9 مليارات شخص سيعانون موجات حر شديدة بمعدل 12 مرة أكثر من المتوسط التاريخي بحلول عام 2040. وعلاوة على ذلك، من المحتمل أن يتعرض حوالي 400 مليون عامل سنويا لدرجات حرارة تتجاوز عتبة الأمان، كما سيبلغ متوسط نسبة الأراضي الزراعية المتضررة من الجفاف الشديد 32٪ سنويا- أكثر من ثلاثة أضعاف المتوسط التاريخي- وهو ما من شأنه أن يقوض الأمن الغذائي العالمي بشكل كبير.

لكن خفض الانبعاثات ليس سوى خطوة أولية، يتعين علينا أيضا اتباع تدابير التخفيف، مثل حماية وإصلاح النظم البيئية والاستثمار في جهود التكيف حتى تتمكن البلدان من مواجهة التحديات التي بات تجنبها صعبا، بما في ذلك الكوارث الطبيعية، وندرة الموارد، والهجرة البشرية، وكما أظهرت الأزمات الأخيرة- من جائحة فيروس كوفيد 19 إلى إعصار إيدا- تُعد الأنظمة التي تُمكن من التعبئة السريعة لاستجابات الحكومة والمجتمع بأسرهما ضرورية للغاية.

لذلك، فإلى جانب الحد من الانبعاثات بشكل كبير، ستتطلب مكافحة تغير المناخ استراتيجيات شاملة تشمل الوقاية والتأهب والتعاون والتنسيق على نطاق غير مسبوق، وكما أعلنت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة السابقة آشا روز ميغيرو ذات مرة، فإن هذه المعركة تتطلب "الاستعداد للحرب".

ماذا سيحدث إذا لم يثبت القادة قدرتهم على مواجهة التحدي في مؤتمر "كوب 26" للمناخ؟ ومن جانبها، ستستمر الصين في بذل الجهود للخروج من الأزمة، حيث تُشير استراتيجيتها للتداول المزدوج، التي تم طرحها في العام الماضي، إلى الجهات الخارجية إلى أنه إذا لم يتم تحقيق تعاون عالمي (ضعف التداول الخارجي)، فستركز الصين على الوفاء بالتزاماتها المحلية (تداول داخلي أفضل).

وكما هي الحال دوما، تتبع الصين أسلوبا منهجيا قابلا للتكيف، كما تُوفر الحكومة المركزية استراتيجية شاملة وموارد وحوافز، وتدير الكيانات المحلية تصميم وتنفيذ السياسات، وعلى الرغم من أن تغير المناخ يُمثل تحديا عالميا واضحا، فإنه سيؤثر على مناطق مختلفة بشكل متباين، الأمر الذي يجعل الحلول التي تُناسب الجميع غير كافية.

وبالتالي، تعمل الصين على ترجمة الأهداف التوسعية إلى أهداف يمكن إدارتها، وتسعى إلى تحقيقها على المستويات الوطنية والإقليمية والبلدية، كما تُساهم في تعزيز جهود الحكومات المحلية ورجال الأعمال والمجتمع المدني وحتى الشركاء الأجانب الراغبين في ذلك، كما أنها لا تسعى إلى بدء سباقات تسلح غير مجدية، والتي لن تؤدي إلا إلى زيادة استهلاك الموارد، والتسبب في إلحاق المزيد من الأضرار البيئية، وتحويل التمويل الذي كان من الممكن تخصيصه لولا ذلك للتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه، وإعاقة التعاون العالمي، وتقويض رفاهية البشر.

لقد تسبب تغير المناخ بالفعل في العديد من الخسائر، إما أن يفوز الجميع في المعركة ضده، أو لا يفوز أحد مُطلقا، ويجب أن تستعد القوى العظمى في العالم للحرب، لكن يجب عليها شنها ضد العدو المُناسب.

* أندرو شنغ زميل متميز في معهد آسيا العالمي بجامعة هونغ كونغ وعضو في المجلس الاستشاري لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة بشأن التمويل المستدام، وشياو غينغ رئيس معهد هونغ كونغ للتمويل الدولي، وأستاذ ومدير معهد السياسة والممارسة في معهد «Shenzhen» المالي في الجامعة الصينية بهونغ كونغ، شنتشن.

* أندرو شنغ وشياو غينغ

أندرو شنغ وشياو غينغ