أكد أستاذ هندسة البترول في جامعة الكويت د. طلال البذالي أن الكويت لديها القدرة من الناحية الفنية على توفير حصتها من النفط للسوق العالمي خلال العقود القادمة، باعتبارها تمتلك المقومات والكوادر الفنية التي تدعم ذلك.

وقال البذالي، في لقاء مع «الجريدة»، إنه من المتوقع وصول العالم لذروة الطلب على الخام خلال العقدين القادمين، الأمر الذي قد يجعل أي زيادة في إنتاج الكويت أو أي دولة أخرى أمراً غير مجدٍ اقتصادياً، لأن الكثير من دول العالم قد تتجه لاستبدال استهلاكها النفطي بالطاقات البديلة، وهو ما قد يضع الكويت في ورطة حقيقية، إذ سيزداد الاستهلاك المحلي خلال تلك الفترة السابق الإشارة إليها وسيثبت الإنتاج، لافتاً إلى أن ذلك سيشكل خطراً على موازنة الدولة العامة خصوصاً في حال انخفاض أسعار النفط عالمياً.

Ad

وكشف أن الكويت تعاني مشكلات حقيقية واختلالات في هيكلها الاقتصادي، منها أن سعر التعادل في الموازنة العامة لبرميل النفط 65 دولاراً كمتوسط للسنوات العشر الماضية، مشيراً إلى أن ذلك الرقم قابل للزيادة في العقود القادمة، نظراً لحاجة الدولة لتوفير فرص عمل للمواطنين مع زيادة عدد السكان، وهو ما يتطلب مزيداً من الطاقة لممارسة حياتهم اليومية، «وقد نرى مستوى الاستهلاك المحلي للنفط يرتفع إلى قرابة 850 ألف برميل يومياً في 2050، الأمر الذي سيقلل كمية النفط المصدرة... وفيما يلي تفاصيل اللقاء:

* كيف ترى مستقبل النفط كمصدر رئيسي للطاقة في العقود القادمة؟

- لا شك أن النفط سيبقى لاعبا رئيسيا للعقود القادمة ولكن ستضعف هيمنته على "خليط مصادر الطاقة" حيث سيخسر النفط جزءاً من حصته العالمية للغاز الطبيعي والطاقة المتجددة وهو أمر متوقع لأن النفط بدأ بخسارة بعض من حصته منذ سنة 1980، حيث انخفضت من 46 في المئة في 1980 إلى 35 في المئة في 2015، ومن المتوقع أن نشاهد حصته تنخفض إلى 25 في المئة بحلول 2050. ويعود ذلك إلى عدة أسباب أهمها:

1- رفع كفاءة استخدامات الطاقة على مستوى الدول والشركات والأفراد عالميا.

2- التطور التكنولوجي الذي أدى الى المحافظة على الطاقة المستخدمة في المعدات والاجهزة التي تستهلك الطاقة.

3- القوانين والضرائب البيئية التي تحث على تقليل استخدام المواد الهيدروكربونية لتقليل انبعاث ثاني اكسيد الكربون.

4- الحملة غير المسبوقة التي تحث على استخدام الطاقة المتجددة من خلال تقديم اعفاءت ضريبية ودعوم حكومية لاستبدال النفط بالطاقة المتجددة.

5- تكلفة الطاقة المتجددة في انخفاض مستمر نظرا للتطور التكنولوجي غير المسبوق في هذا المجال.

6- دخول الكهرباء في صناعة السيارات بشكل كبير والدعم العالمي لهذه الخطوة.

7- استمرار الصراعات الإقليمية في الشرق الاوسط مما يفقد النفط ميزته كمصدر آمن للطاقة وغير قابل للاحتكار.

* هل ستحافظ الكويت على مكانتها كلاعب رئيسي في سوق النفط العالمي في العقود القادمة إذا انخفض دور البترول في خليط مصادر الطاقة؟

- للإجابة عن هذا السؤال علينا طرح أسئلة مهمة وعلى ضوء ذلك نستطيع أن نصل إلى اجابة منطقية لسؤالك، هي: هل ستكون الكويت قادرة على أن توفر حصتها للسوق العالمي في العقود القادمة؟ وهل لديها المقومات الفنية المتعلقة بالحفر والانتاج والتطوير؟ وهل تمتلك القدرة على المحافظة على كميات النفط المنتجة بغرض التصدير أم ستستهلك أغلبية هذه الكميات محليا مما يقلل من كميات النفط المصدرة؟

بداية، دعنا نناقش السؤال الأول:

حسب تقرير شركة البترول البريطانية المختص في إحصائيات الطاقة العالمية (النسخة 69) لسنة 2020:

تمتلك الكويت احتياطيات نفطية تقدر بـ 101.5 مليار برميل (6 بالمئة من احتياطيات النفط العالمية).

تنتج الكويت 2996 ألف برميل يوميا، أي ما يعادل 3.1 بالمئة من الإنتاج العالمي اليومي للنفط.

تستهلك الكويت 427 ألف برميل يوميا محليا، أي ما يعادل 14.25 بالمئة من إنتاجها اليومي للنفط.

يقدّر العمر الافتراضي للنفط (على أساس الإنتاج والاحتياطيات النفطية الحالية) بـ 93 سنة.

تقدّر تكلفة برميل النفط في الكويت بـ 12$، وهي الأرخص عالميا.

40 - 50 بالمئة من حقول النفط الكويتية وصلت الى مرحلة الشيخوخة (إنتاج كميات كبيرة من الماء).

وبالنظر الى ما سبق، نستطيع أن نجزم بأن الكويت - من الناحية الفنية - لديها القدرة على أن توفر حصتها للسوق العالمي في العقود القادمة، كما أن لديها المقومات والكوادر الفنية التي تدعم ذلك. ولكن علينا أن ننظر الى السؤال الثاني المكمل للسؤال الأول.

ثانيا: مناقشة السؤال الثاني

من المتوقع خلال العقدين القادمين أن يصل العالم الى ذروة الطلب العالمي للنفط، مما يجعل زيادة الإنتاج للكويت أو أي دولة منتجة للنفط أمرا غير مُجد اقتصايا، فكثير من دول العالم ستستبدل استهلاكها النفطي بالطاقات البديلة، مما يجعلنا في ورطة حقيقية، فالاستهلاك المحلي سيزداد بينما الإنتاج سيثبت، الأمر الذي يضع موازنة الدولة العامة في خطر، خصوصا إذا انخفضت أسعار النفط في السوق العالمي. فالكويت تعاني مشكلات حقيقية واختلالات كبيرة في هيكلها الاقتصادي، منها:

1- سعر التعادل في الموازنة العامة 65$ كمتوسط الـ 10 سنوات الماضية، وهذا الرقم قابل للزيادة في العقود القادمة، نظرا إلى حاجة الدولة لتوفير فرص عمل للمواطنين وزيادة التعداد السكاني الذي يحتاج إلى المزيد من الطاقة لممارسة حياته اليومية، لذا قد نرى مستوى الاستهلاك المحلي للنفط يرتفع الى نحو 850 ألف برميل يوميا في 2050، الأمر الذي يقلل من كمية النفط المصدرة، ولا يمكننا زيادة إنتاجنا النفطي منفردين، لأننا عضو في منظمة أوبك، وتحكمنا معاهدات وحصص إنتاج متفق عليها. وبالنظر الى معدل استهلاك الفرد للطاقة في الكويت لسنة 2018 نجد أننا من ضمن الدول الـ 10 الأعلى استهلاكا للطاقة في العالم.

فاستمرار النمط الاستهلاكي للطاقة في الكويت سيستنزف الطاقة الإنتاجية للنفط، مما يؤثر سلبا على إيرادات الدولة وموازنتها العامة.

2- الموازنة العامة (الإيرادات العامة) تعتمد على الإيرادات النفطية، بما يعادل 84 بالمئة، مما يجعل الكويت عرضة لهزّات مالية إذا ما انخفضت أسعار النفط أو قلّت كمية الإنتاج النفطي.

3- القطاع الصناعي في الكويت يستنزف كميات كبيرة من الطاقة، نظرا لرخص أسعار الوقود المشغل لتلك الصناعات في الكويت، فضلا عن دعوم الطاقة المقدمة من الدولة لهذه القطاعات.

4- تمتلك الدولة 100 بالمئة من القطاع النفطي، مما يحمل الدولة تكاليف التوظيف والصيانة والإنتاج.

5- لا توجد حلول ملموسة لتنويع مصادر الطاقة، مما يستنزف النفط ويعرقل تنويع مصادر الدخل.

6- تعتبر الكويت بيئة طاردة للمستثمر الأجنبي.

وبالنظر الى ما سبق، يمكننا القول إن الكويت مقبلة على زيادة في استهلاك الطاقة مصحوبة باستنزاف إيرادات الدولة للتوظيف والاستثمار في البنى التحتية والعمرانية، وتوفير سبل العيش للمواطنين دون زيادة فعلية في إيرادات الدولة المحكومة بـ "أوبك" من ناحية الإنتاج والسوق العالمي من ناحية السعر. الأمر صعب جدا، ويستلزم إيجاد حلول جذرية ومعالجة سريعة قبل نهاية العقد الحالي، ويمكننا عمل ذلك في اتجاهين رئيسيين:

1- المحافظة على الإيرادات النفطية لتعزيز موازنة الدولة.

2- إعادة هيكلة بنود الموازنة العامة لتقليل المصروفات.

فالمحافظة على ايرادات أي دولة نفطية تستلزم دخول المستثمر الأجنبي للاستفادة من خبراته الفنية والتكنولوجية في إدارة الثروات النفطية، أما إعادة هيكلة بنود الموازنة فتستلزم إعادة النظر في بنود باب المصروفات. الرسم البياني الآتي يوضح مدى تأثير بنود الإيرادات والمصروفات على موازنة الدولة.

نرى أن موازنة الدولة حساسة جدا لبند الإيرادات النفطية وبند المرتبات وما في حكمها، كما نرى أن الموازنة حساسة بدرجة أقل لبقية البنود، فليس لدينا تحكّم في بند الإيرادات النفطية، لأنه يخضع لاعتبارات السوق العالمي وحصص الإنتاج المتفق عليها في "أوبك"، بينما نستطيع أن نتحكم في البنود الأخرى، لأنها شأن داخلي ويمكن تعديله بما يتوافق مع القانون والرأي العام.

وعلينا أن نعي أن هذه البنود (المصروفات) ستزيد في المستقبل، نظرا للتوظيف والزيادة السكانية. فمن الحلول المنطقية إعطاء المستثمر الأجنبي تسهيلات تجذب استثماراته للكويت، شريطة توفير فرص عمل للكويتيين، كما علينا رفع دعوم الطاقة التي تكلف الدولة قرابة المليار ونصف المليار دينار سنويا.

وبالرجوع الى السؤال المحوري، نعم تستطيع الكويت المحافظة على مكانتها كلاعب رئيسي في سوق النفط العالمي في العقود القادمة، إذا ما انخفض دور النفط في خليط مصادر الطاقة، شريطة أن نعزز من إنتاجها النفطي بأقل التكاليف وضبط وتقليل بنود المصروفات المتعلقة بالرواتب ودعوم الطاقة، بمعنى آخر، يجب على الكويت أن تعمل من أجل تحقيق استدامة مالية وليس العمل على تعظيم الإيرادات فقط دون الأخذ في الاعتبار المصروفات والعوامل الداعمة للإيرادات كالإنتاج وأسعار النفط.

* هل هناك معضلات تحول دون تحقيق الاستدامة المالية للكويت في المستقبل؟

- بصراحة، الدول النفطية أحادية المصدر جميعها بما فيها الكويت، ستعاني نفس المعضلات التي قد تحول دون بلوغها للاستدامة المالية، ومنها:

1- استهلاك الطاقة المحلي قد يفوق إنتاجها النفطي أو الغازي بين الفترة (2050-2080).

2- بلوغ حقولها النفطية سن الشيخوخة والعجز الاقتصادي خلال الفترة (2050-2080).

3- منافسة شرسة من مصادر الطاقة المتجددة نتيجة تصدر البيئة أجندات الدول المستهلكة للنفط والغاز.

4- إيرادات النفط والغاز متقلبة، نظرا لتقلب أسعار النفط، ولا يمكن التنبؤ بحجم الإيرادات من سنة لسنة.

5- هيمنة القطاع العام على الوظائف، وانعدام دور القطاع الخاص، وهذا يضع حملا كبيرا على عاتق الدولة، ويستهلك جزءا كبيرا من إيراداتها.

6- استمرار الدولة في تقديم الدعوم لمواطنيها (طاقة ووقود – تعليم – صحة – إسكان).

7- خلل كبير في موازنة الدولة وبنودها.

وبالنظر إلى ما سبق، فمن الصعب جدا تحقيق استدامة مالية، لذا علينا العمل على إصلاح مواضع الخلل أولا.

* ما الحلول المفترض تبنيها للوصول إلى استدامة مالية على المدى البعيد؟

- إن عملنا الآن فقد نصل إلى نوع من الاستدامة المالية بحلول 2030، وهناك العديد من الحلول المطروحة، ومنها ما يناسب الكويت، ودعني أطرح بعضا منها، وسأقسمها على بابين:

باب الإنتاج النفطي (إيرادات الدولة):

أي زيادة الإنتاج النفطي بأقل التكاليف، ويتم ذلك من خلال التخلي عن نظام عقود التشغيل المعمول بها وتبني عقود المشاركة المباشرة مع المستثمر الأجنبي.

2- تطوير حقول الغاز غير المصاحب في الكويت لتقليل تكاليف استيراد الغاز المسال وتكاليف حرق النفط الخام.

3- تطوير ورفع كفاءة عمل الحقول المنتجة من خلال التحول التكنولوجي والرقمي وليس من خلال تكديس العمالة.

4- تعظيم دخل الدولة غير النفطي من خلال مراجعة الرسوم المفروضة على خدمات ومرافق وأراضي الدولة وغيرها.

5- جلب المستثمر الأجنبي وتقديم مزايا وعروض مغرية للعمل في الكويت، شريطة أن تكون حصة الكويتين من التوظيف في شركاته 60 في المئة إلى 70 في المئة.

كل ما سبق سيزيد من كميات النفط المنتجة بأقل التكاليف على الدولة، ويوفر فرص عمل للكويتيين.

* كيف ترى خطة دمج شركات النفط الكويتية في 4 شركات حسب ما ورد في تصريحات مسؤولين عن القطاع النفطي في البلاد؟

- ما فعلوه حسن وأفضل مما كنا عليه في السابق، وبالتأكيد سيقلل من التكاليف، ويوحد الجهود، ويخلق نوعا من التركيز على تحسين بيئة الأعمال وتطوير العنصر البشري.

ولكن لدي وجهة نظر أخرى، كنت أتمنى أن تكون غربلة القطاع النفطي أكثر جرأة بحيث يتم استحداث قطاعين رئيسيين في هيكل مؤسسة البترول (قطاع الإنتاج وقطاع التكرير والتصنيع البتروكيماوي)، الى جانب قطاع التسويق وقطاع التخطيط والمالية وقطاع الموارد البشرية، فبدلا من تقليص عدد شركات النفط التابعة للمؤسسة من 10 إلى 4، كنت أتمنى أن توزع جميع شركات النفط العشر على قطاعات المؤسسة، فعلى سبيل المثال تدرج الشركات التي تعمل في مجال إنتاج النفط تحت قطاع الإنتاج، وتدرج الشركات ذات الطابع التكريري والتصنيع البتروكيماوي تحت قطاع التكرير والتصنيع البتروكيماوي، وتدرج شركات ذات طابع التسويق والتجزئة تحت قطاع التسويق، وهكذا.

● أشرف عجمي