لم تبق جهة سياسية في العراق تقريباً إلا نددت بمؤتمر متواضع ناقش على مدى بضع ساعات، أمس الأول، العلاقات العراقية - الإسرائيلية، ودعا بعض المشاركين فيه إلى إنهاء الخصومة التاريخية مع تل أبيب، والانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم، في ظل قرارات التطبيع، التي تشهدها المنطقة العربية، خلال الشهور الماضية.

ولم يكن منظمو المؤتمر، الذي عقد في أربيل عاصمة كردستان العراق، إلا شخصيات اجتماعية مغمورة؛ أبرزهم قائد سابق في قوات الصحوة، التي قاتلت «القاعدة»، ومقرب من رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي، الذي سارع إلى التنديد بالمؤتمر وكلمات المشاركين، كما فعل كل ساسة العراق تقريباً منذ الساعات الأولى ليوم أمس.

Ad

ولا يشهد العراق في العادة نقاشات بهذا المستوى من التنظيم حول الموقف من إسرائيل، رغم أن النخب تتحدث في العادة عن ضرورة السماح ليهود العراق بالعودة واستعادة ممتلكاتهم، حيث كانوا يشكلون طبقة تجار راسخة على مدى ألفي عام في المدن العراقية الكبرى. لكن النقاش هذه المرة كان أبعد مدى، وشارك فيه عبر اتصال بالفيديو نجل الزعيم الإسرائيلي السابق شمعون بيريز، مع متحدثين من يهود العراق.

وقالت حكومة كردستان، في بيان، إنها لم تسمح بإقامة هذا المؤتمر، وستحقق في ظروف تنظيمه، بعد دعوات ملحة أطلقتها شخصيات عراقية لملاحقة منظمي المؤتمر، حتى أن زعيم التيار الصدري طالب أربيل باعتقال كل المشاركين، وهدد بالتصرف في حال لم تقم الحكومة بذلك.

وتراجع الاهتمام بقضية فلسطين في العراق، بعد أن انغمس الرأي العام في الصراعات الداخلية، ولم تعد الأجيال الشابة تتحمس كثيراً لمشاركات الجيش العراقي في كل الحروب ضد إسرائيل، لكن قضية التطبيع حين تثار لا تزال تمثل حساسية فائقة.

ويمثل مكان انعقاد المؤتمر في أربيل حساسيةً إضافية، إذ يأتي التوقيت متزامناً مع اتهامات إيرانية متلاحقة لكردستان بوجود مقرات لـ «الموساد» الإسرائيلي، ضمن القواعد الأميركية العسكرية في أربيل، وهو ما تسخر منه الحكومة العراقية.

وتمضي الاتهامات الإيرانية إلى أكثر من ذلك، مهددة بتكرار قصف أربيل لاستهداف وجود المعارضة الكردية الإيرانية على أرضها.

وتوجد شخصيات كردية إيرانية معارضة في أربيل، كما أن الحدود الجبلية الوعرة بين إيران والعراق مكامن تقليدية لجماعات مسلحة تعارض طهران وأنقرة، ويصعب على أي طرف التعامل معها عسكرياً.

ومن المقرر انسحاب كل القوات الأميركية نهاية العام الحالي من العراق، لكن يبدو أن الاستهداف الإيراني المتكرر سيستمر على مطارات العراق وقواعده العسكرية وكذا الفصائل، بتهمة وجود مستشارين أميركيين يعملون مع القوات العراقية، أو مقرات لإسرائيل، وسواها من الاتهامات التي تبرر القصف المتتابع بطائرات الدرون لأربيل، الموصوفة بأنها آخر مدينة عراقية بقيت عصية على نفوذ الميليشيات.

وسبق لحلفاء طهران أن حذروا من مشروع للتطبيع يكون مدخله زيارة البابا فرانسيس، التي شملت في مارس الماضي بغداد والنجف وجنوب العراق، وحديثه عن ضرورة حماية العلاقة بين الديانات الإبراهيمية، انطلاقاً من موقع يعتقد أنه بيت النبي إبراهيم عليه السلام، في المنطقة الأثرية بالناصرية.

● بغداد - محمد البصري