قبل نحو أسبوعين من الانتخابات العراقية، ووسط تصاعد التوتر في شمال العراق، حيث تتهم إيران بغداد وسلطات إقليم كردستان العراق بالتغاضي عن أنشطة فصائل كردية إيرانية معارضة، رحبت إسرائيل بدعوة مؤتمر شاركت فيه شخصيات عراقية إلى «التطبيع»، في حين تبرأت الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان من الاجتماع الذي عقد في أربيل، أمس الأول، معلنة رفضها لنتائجه.

Ad

لابيد يرحب

ورحّب وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، بدعوة المؤتمر الذي عُقد تحت عنوان «السلام والاسترداد» برعاية منظمة أميركية، إلى التطبيع، واصفاً الحدث بأنه «يبعث على الأمل في أماكن لم نفكّر فيها من قبل».

وأضاف: «نحن والعراق نشترك في تاريخ وجذور مشتركة في المجتمع اليهودي، وكلما تواصل معنا شخص ما، سنفعل كل شيء للتواصل معه».

الحكومة العراقية

في المقابل، أعربت الحكومة العراقية عن «رفضها القاطع» لنتائج المؤتمر واصفة إياه بأنه «اجتماع غير قانوني».

وشددت، في بيان، على أن «هذه الاجتماعات لا تمثل أهالي وسكان المدن العراقية، وتمثل مواقف من شارك بها فقط، فضلاً عن أنها محاولة للتشويش على الوضع العام وإحياء النبرة الطائفية في البلاد وسط الاستعداد لخوض الانتخابات النيابية».

وأكد البيان أن «طرح التطبيع مرفوض دستورياً وقانونياً وسياسياً، وأن الحكومة عبرت بشكل واضح عن موقف العراق التاريخي الثابت الداعم للقضية الفلسطينية العادلة والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني».

ونقلت وكالة الأنباء العراقية عن رئاسة الجمهورية رفضها» محاولات التطبيع مع إسرائيل».

وقالت الرئاسة إن «الاجتماع الأخير الذي عُقد للترويج لهذا المفهوم لا يمثّل أهالي وسكان المدن العراقية، بل يمثّل مواقف من شارك بها فقط»، محذرة من أن الاجتماع «محاولة لتأجيج الوضع العام واستهداف السلم الأهلي». ودعت الرئاسة إلى «الابتعاد عن ترويج مفاهيم مرفوضة وطنياً وقانونياً وتمس مشاعر العراقيين».

أما رجل الدين الشيعي النافذ مقتدى الصدر فهدد بالتصرف ضد المجتمعين في أربيل في حال لم تقدم الحكومة على ذلك، وقال في تصريح: على الحكومة تجريم واعتقال كل المجتمعين في أربيل وإلا سيقع على عاتقنا ما يجب فعله.

كردستان تتبرأ

بدورها، تبرأت سلطات إقليم كردستان العراق من المؤتمر، واعتبرت أنه لا يمثل موقفها الرسمي. وأصدرت وزارةُ الداخلية في حكومة الإقليم، بياناً أشارت فيه إلى أن «الاجتماع عُقد دون علم وموافقة ومشاركة حكومة الإقليم»، متعهدة باتخاذ «الإجراءات اللازمة لمتابعة كيفية انعقاده».

مركز اتصالات السلام

ونظم المؤتمر «مركز اتصالات السلام» ومقره نيويورك وتناول قضية التطبيع بين إسرائيل والدول العربية والتقارب بين المجتمعات المدنية.

وقال الخبير الأميركي من أصل يهودي عراقي ومؤسس مركز اتصالات السلام جوزيف برود، إن نحو 300 مشارك من السنّة والشيعة بينهم شيوخ عشائر ومثقفون وكتاب من ست محافظات هي بغداد والموصل وصلاح الدين والانبار وديالى وبابل شاركوا في الحدث.

اتفاقيات إبراهيم

وجاء في البيان الختامي للمؤتمر الذي قرأته سحر الطائي مديرة الأبحاث في وزارة الثقافة ببغداد: «نطالب بانضمامنا إلى اتفاقيات إبراهيم. وكما نصت الاتفاقيات على إقامة علاقات دبلوماسية بين الأطراف الموقعة ودولة وإسرائيل، فنحن أيضاً نطالب بعلاقات طبيعية مع إسرائيل وبسياسة جديدة تقوم على العلاقات المدنية مع شعبها بغية التطور والازدهار».

وُقعت «اتفاقات إبراهيم» برعاية واشنطن في سبتمبر 2020 لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين، ومن ثم مع المغرب والسودان.

وقالت الطائي، التي كانت من المتحدثين خلال المؤتمر: «لا يحق لأي قوة، سواء كانت محلية أم خارجية، أن تمنعنا من إطلاق مثل هذا النداء».

وكان بين المتحدثين العراقيين لواء سابق وأحد قادة «الصحوة» وهي فصائل عشائرية قاتلت التنظيمات الإسلامية المتطرفة بدعم من واشنطن.

وقال رئيس «صحوة العراق»، وسام الحردان خلال المؤتمر، إن «العراق سبق العالم كله في بناء الإنسانية، فما الذي حدث وما الذي خرب العراقيين وجعلهم ميليشيات وقتلة ودواعش؟، نحن نرفع راية السلام للعالم أجمع، ونحتضن كل رواده من أجل الإنسانية، وندعو إلى انضمام العراق لاتفاقيات إبراهيم الدولية».

وتحدث خلال المؤتمر عبر الفيديو تشيمي بيريز الذي يرأس مؤسسة أسسها والده الرئيس الإسرائيلي الراحل شيمون بيريز.

وقال الشيخ ريسان الحلبوسي شيخ عشيرة البومطر من الأنبار: «يكفينا عداء وفتن وقتل. مفروض نفتح صفحة جديدة للتعاون والسلام والأمن لكي يعيش أبناؤنا وأحفادنا من بعدنا بسلام وأمان»، لكنه أضاف: «لا تستطيع بين يوم وليلة أن تقنع المواطن بالتطبيع مع إسرائيل... لكن مع الزمن تتغير الأفكار». من ناحيته، قال السياسي العراقي النائب السابق في مجلس النواب مثال الآلوسي، الذي سبق أن زار إسرائيل، إن مؤتمر أربيل «مدعوم من أسماء كبيرة في بغداد».

واعتبر الآلوسي أن «السلام ليس ترفاً سياسياً بل حاجة عراقية تتعلق بوجود العراق من عدمه، بالتالي أغلب القيادات السياسية السنية والشيعية في المنطقة الخضراء أرسلت برسائل ود عبر طرف ثالث أو قامت بزيارات لإسرائيل، ولكن في العلن خطاباتهم شيء آخر».

وأشار الآلوسي إلى أن «أحد أهم أسباب هذه الازدواجية هو الخوف بالتصفية من الحرس الثوري الإيراني، أو بخسارة المواقع السياسية، ومن ناحية أخرى، فإن سياسة السفارة الأميركية في بغداد غير راغبة ولا تشجعهم بالإفصاح عن ذلك، على اعتبار أن الوقت غير مناسب».

إيران تهدد

يأتي ذلك وسط تصعيد كبير يشهده شمال العراق من قبل الحرس الثوري الإيراني، الذي يتهم فصائل كردية إيرانية معارضة للنظام الإسلامي في إيران بإنشاء قواعد قرب الحدود وشن هجمات والحصول على مساعدات إسرائيلية وأميركية.

والأسبوع الماضي صدرت تصريحات حادة من قبل رئيس الاركان الإيراني اتهم فيها حكومة مصطفى الكاظمي بالضعف تجاه هذه الفصائل والسلطات في كردستان بالسكوت عن أنشطتها ودعا إلى إغلاق قاعدة «حرير» الأميركية في أربيل. واستغرب الجيش العراقي هذه التصريحات ورفض الاتهامات الموجهة لبغداد.

وأمس الأول، طالب وزير الاستخبارات الإيراني إسماعيل خطيي بغداد وأربيل بـ«نزع سلاح المجموعات المعادية للثورة الإسلامية في كردستان العراق وانسحابها من هناك».

وتوعد ما سماها «القواعد الأميركية والإسرائيلية» في شمال العراق.

وقام «الحرس الثوري» بعمليات قصف محدودة مستخدماً طائرات من دون طيار لمواقع داخل العراق، قال إنها تابعة لفصائل إيرانية كردية معارضة.

وهدد السفير الإيراني لدى العراق إيرج مسجدي، عبر وكالة الأنباء العراقية الرسمية، بتنفيذ عمليات عسكرية داخل الأراضي العراقية «في حال عجز بغداد أو أربيل عن منع استخدام أراضي كردستان من قبل المعارضة الإيرانية».

وزار الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس الأول، محافظة إيلام ذات الأغلبية الكردية غرب إيران، واعتبر في كلمة أن «الحدود مع العراق ليست تهديداً، بل فرصة لإقامة علاقات اقتصادية وثقافية مع شعب يتشابه معنا بالثقافة والعقيدة».