بعد قرار ترحيل وافدي الـ60 عاماً وتبعاته على الاقتصاد والمشاريع، تشهد البلاد أزمة أخرى تتجاوز تداعياتها القرار المذكور، وتتمثّل في قرار ربط التوصيف المهني بالمستوى التعليمي، وهو ما ينذر بإغلاق الكثير من المشاريع الاقتصادية في ضوء «التعسف في تصنيف واختيار المستوى التعليمي للكثير من المهن البسيطة».

وقال عدد من أصحاب المشاريع ومسؤولي القطاعات لـ «الجريدة» إنه في موازاة «التوصيف المنطقي الذي يقتضي ربط الوظيفة بالشهادة التعليمية في وظائف أساسية كالطب والهندسة والمحاماة والتعليم»، فإنّ ثمة وظائف أخرى لا تحتاج ممارستها الى شهادات دبلوم أو بكالوريوس، أو حتى للشهادة الثانوية، مما يعني أن قرار التوصيف المهني ينطوي على شروط تعجيزية، كما أنه يفتح الباب أمام «التحايل» على القرار لتأمين استمرار عمل الكثير من المؤسسات ذات العمالة غير المستوفية لاشتراطات المستوى التعليمي. وفيما يلي التفاصيل:

Ad

على وقع القرارات الطاردة للعمالة في الكويت، أعلنت الهيئة العامة للقوى العاملة ربط المستوى التعليمي للمهن المسجلة بأذونات العمل، وأنجزت على هذا الصعيد جدول المهن الجديد الذي يشمل 2907 مسميات وظيفية، حسب الدليل الخليجي، الذي تضمن تصنيفا غير منطقي في آلية اختيار المستوى التعليمي لبعض المهن، مثل مشرف مطعم، ومندوب، وعطار، التي أدرجت تحت مؤهل دراسي دبلوم، الأمر الذي سيمثل تحديا أمام كل المؤسسات العاملة في البلاد لإجراء تعديل شامل لمسميات موظفيها، تبعا للجدول الجديد، كما أنها ستقود الى إنهاء خدمات موظفين كُثر لعدم ملاءمتهم للشروط التعليمية المطلوبة لمناصبهم الوظيفية. أو أن يؤدي الأمر الى قيام العمالة التي لا تحمل المؤهل المطلوب بتغيير المسمى الوظيفي في إذن العمل لضمان تجديد إقامتها.

وشمل جدول المهن الجديد 912 مهنة تحت مؤهل تعليمي متوسط، و719 مهنة أقل من ابتدائي، و689 دبلوم، فضلا عن 587 مهنة بمستوى تعليمي بكالوريوس وما يعادلها.

وكشفت مصادر في الهيئة العامة للقوى العاملة عن وقف قبول تجديد أي إذن عمل يدرج فيه المهنة المسجلة حسب النظام القديم المعمول، مع دخول العام المقبل 2022، وبينت أنه بالنسبة لتجديد أذونات العمل الخاصة بالعمالة الوطنية ستتم حسب الدليل الخليجي الموحد، الذي يحتوي على رمور تشير إلى المهنة.

وأضافت أن الهيئة طالبت الشركات بتعديل المسميات للعمالة المسجلة على ملفاتها بحسب النظام الجديد، مشيرة إلى أن الهيئة أعطت السنة الماضية آلية استثنائية لتجديد الإذن، نظراً لجائحة كورونا، علماً بأنها كانت تسعى لتطبيق النظام الخليجي الموحد منذ العام الماضي.

ولفتت المصادر إلى أن آلية النظام الوحد مطبقة للعمالة التي تم إصدار إذن عمل جديد لها كأول مرة، بينما تسعى الهيئة لمعالجة الأمر بالنسبة الى من يملك إذن عمل ساري المفعول.

قرار مجحف

وأجمع عدد من أصحاب المشاريع، لاسيما التي تعتمد على العمالة البسيطة، على وصف القرار بأنه «مجحف» ويمثل «ضربة قاضية» لمشاريعهم بعد الانتكاسات، التي واجهوها بفعل «كورونا» ومفاعيل قرار عمالة «الـ 60» عاماً، وأبدوا رفضهم لمثل تلك القرارات، التي تعجل في إغلاق مشاريعهم.

وبينوا في تصريحات لـ«الجريدة» أن هناك العديد من المهن لا تتطلب شهادات علياً، وأن القرار ستكون له انعكاسات على أسعار المنتجات للمستهلكين، إذ إن توافر الشهادة الجامعية يعني زيادة رواتب العمال، مما يزيد التكلفة، بالتالي سيضطر صاحب العمل إلى رفع قيمة المنتج لتغطية التكاليف.

وأفاد مسؤولون في قطاع المطاعم بأن 97 في المئة من العاملين في المطاعم لا يمتلكون الشهادات العليا التي ينص عليها «جدول المسميات» بالتالي سيفاقم هذا القرار أزمة الخسائر ويقود إلى إغلاق العديد من المطاعم في الفترة المقبلة.

ووصفوا هذا القرار بـ«القشة» التي ستقصم ظهر القطاع، مستغربين إصدار مثل تلك القرارات، التي «ستذبح» المشاريع من الوريد إلى الوريد، إضافة إلى تأثيرها الكبير على الاقتصاد الوطني وبخروج العديد من السوق المحلي.

إغلاق المطاعم

وقال رئيس الاتحاد الكويتي للمطاعم والمقاهي والتجهيزات الغذائية فهد الأربش، إن ربط التوصيف المهني بالمستوى التعليمي سيكون له تأثير كبير على قطاع المطاعم لأن أغلب الطباخين والشيفات في قطاع المطاعم من غير حملة شهادات عليا مما يعني إغلاقاً كبيراً للمطاعم في الكويت.

وأفاد الأربش، بأن نسبة 97 في المئة من العاملين في المطاعم لا يملكون تلك الشهادات، فأغلبيتهم يلتحقون بدورات تدريب أو اكتساب ذلك بالخبرة، مما يعني أن هذا القرار سيؤدي إلى إغلاقات كثيرة في المرحلة المقبلة، موضحاً أن تلك الحرف تكتسب بالخبرة، وأن الموظفين لا يملكون هذا المستوى التعليمي المطلوب لاسيما أنهم يعتمدون على الممارسة وليس كالدول الاجنبية فالعاملون في هذا المجال بسطاء.

وبين أن قطاع المطاعم لا يتطلب عمالة ذات شهادات عليا إذ إن متطلبات العمل بسيطة في الكويت وليست معقدة، مشيراً إلى أن هناك من يمتلكون شهادات دبلوم ومحاسبة وقانون لكن نجدهم يمتهنون العمل في المطاعم.

وعن المطالبات بإعادة النظر في القرار بربط المستوى التعليمي بالمهنة، أشار إلى أن هناك استعداداً لطلب مقابلة مع المسؤولين ومنهم وزير التجارة، منبهاً إلى أن من الخطأ الاستمرار بهذا القرار.

«ذبح المشاريع»

من جانبه، قال رئيس الاتحاد الكويتي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة عبدالعزيز المبارك، إن عدم التجديد أو ربط إصدار إذن العمل للعاملين بإثبات المستوى التعليمي سيكون لهما ضرر مباشر على أصحاب المشاريع كافة إضافة الى تأثر المستهلكين بأرتفاع الأسعار.

وأشار إلى أن هذا القرار مشابه لقرار ترحيل العمالة ذات الـ 60 عاماً، مشيراً إلى أنها قرارات متتالية ذبحت المشاريع من الوريد إلى الوريد.

وبين المبارك أن سوق العمل بدلاً من أن يشهد قرارات تحفيزية خاصة في ظل تضرر تلك المشاريع من جائحة كورونا وعدم تجاوز تبعاتها إلى الآن نجدها تعصف بالمشاريع التجارية.

ووصف هذا القرار بـ«القشة» التي قصمت ظهر قطاع المشروعات، الذي هو في مرحلة غرق، فبدلاً من رؤية قرارات تحفيزية تسهل على صاحب الرخصة أن يعود إلى سوق العمل، فإنهم يضعون قرارات صعبة لا ترتقي لمستوى الأسواق العالمية، في حين أننا نعتبر في الخليج أسواقاً الناشئة، خصوصاً أن الكويت لا تدخلها سوى أنواع معينة من التأشيرات.

وأشار إلى أن إجبار المشاريع بالمستوى التعليمي يعني رفع الأجور بخلاف الإيجارات المرتفعة، وهو ما يقتل المشاريع ويكبدها خسائر فادحة، مبيناً أن هذا القرار لن يستفيد منه سوى أصحاب العقود الحكومية.

وبين المبارك، أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة جميعها تعتمد على هذه النوعية من العمالة ومنها تجارة التجزئة والمطاعم والمقاهي، لافتاً إلى أنه عند إحضار «شيف» يحمل شهادة جامعية فسيكون راتبه عالياً، وعند ارتفاع التحصيل العلمي ترتفع الرواتب، وهو ما سينعكس على السوق المحلي في السوق برفع أسعار المنتجات المقدمة للمستهلكين.

وذكر أن الحكومة التي أعلنت انتهاجها سياسة التقشف، بقرارتها هذه تعطي الضوء الأخضر برفع الأسعار على المستهلكين، وهي قرارات تضر المواطن بشكل كبير جداً، لاسيما أن أصحاب المشاريع سيضطرون لرفع الأسعار خصوصاً مع دفع الراتب العالي للعامل والإيجارات المرتفعة فمن غير المعقول واستحالة الإبقاء على ذات الأسعار في السابق وهي قاعدة تجارية، التكلفة مقابلها الأجور والإيجارات.

وبين أنه كان من الواجب منح مهلة أربع سنوات على الأقل لتعديل أوضاع العمالة التعليمية، فمن غير المعقول أن يكون مشروعي جاهزاً وقائماً وفجأة تصدر مثل تلك القرارات المجحفة بحق المشاريع.

عراقيل وضحايا

من جانبه، قال أمين سر اتحاد العربات المتنقلة، ثامر الحبشي، إن هذا التوجه سيؤثر سلباً على أصحاب المركبات التجارية المتنقلة، مبيناً أن عمالة تلك المركبات بسيطة جداً، وهذه المشاريع لا تتطلب شهادات عالية.

وبيّن أن هذه المشاريع تواجه حاليا عراقيل وصعوبات كمثل تلك القرارات، إذ إن هناك عمالا وظيفتهم فقط إيصال وتسليم الطلبات الى المستهلكين، فمن غير المعقول أن تكون لديه شهادة جامعية.

وأوضح أن الاتحاد يرفض مثل هذه القرارات، مفيداً بأن العمالة، ان كانت تمتلك شهادات عليا فإنه يعني ارتفاع رواتبها، وهو غير مناسب لنا كأصحاب مشاريع متنقلة، حيث اننا حتى الآن لم نسلم من الأزمة السابقة، فضلا عن الرواتب، والإقبال على الطلبات في ظل تكلفة كبيرة.

وأشار إلى انه كان من الواجب بدلا من هذا القرار ان يتم السماح بجلب عدد أكبر من العمالة، وان يتم منحهم صلاحيات والحصول على أكثر من رخصة بدلاً من الرخصة الواحدة، لافتاً إلى أن أصحاب المركبات التجارية المتنقلة ضحية مثل هذه القرارات.

لا صالونات حلاقة

من ناحيته، قال أبوأحمد «أنا أحمل شهادة دبلوم، وأعمل حلاقا، وليس معي شهادة متخصصة في الحلاقة، وإذا طبق هذا القرار فلن تجد حلاقا في الكويت، لأنه لا يوجد جهة متخصصة تعطي شهادات دبلوم في تصفيف الشعر، لذلك لابد من ايجاد حل لبعض المهن المتخصصة كأن يتم اختبار أصحابها لاعتمادهم».

من جانبه، قال المهندس الزراعي، وليد مصطفى حسن، إن «القرار لا يصب في مصلحة العديد من المهن مثل الفلاحة، فأنا لدي في المزرعة فلاح أتى من بلده يعرف جيداً بالأرض والزراعة، وهو بالنسبة لي أفضل من مهندس بشهادة وليس لديه الخبرة اللازمة في الزراعة، لذلك لابد من إعادة النظر في مثل هذا القرار».

التخصص شرط لبعض الوظائف

اعتبر البعض أن ثمة وظائف تحتاج الى تخصص علمي مناسب، وهو ما يؤيدونه في مجال التصنيف والمؤهلات، ويقول معلم لغة إشارة يدعى حمد إبراهيم، إن هذا القرار يصب في مصلحة المترجمين الحاصلين على شهادة دبلوم فما أعلى، وشهادة بكالوريوس ليقوموا بالترجمة الفورية من واقع خبرة ودراية.

بدوره، قال أحمد بكري من أحد مكاتب السفريات، إن العمل كمدير وكالة سفريات يتطلب أن يكون صاحبه حاصلا على بكالوريوس، لأنه لابد أن يكون لديه ثقافة وعلم بالعمل الذي يقوم به، لافتاً إلى أن وكالة السفر أعمالها متعددة كحجز تذاكر وفنادق وخدمة عملاء، وجميع هذه الأعمال تتطلب أن يكون من يعمل بها متعلما.

من جهته، قال "المونتير" إسماعيل الصالح "أنا مع قرار أن يعمل في أغلب المهن أناس يحملون شهادات دبلوم ولا يعملون بخبراتهم أو موهبتهم دون شهادة، وهذا القرار يصب في مصلحة الارتقاء بالعديد من المهن، ومنها مهنة "المونتير"، ويفترض أن من يعمل بها أن يكون شخصا حاملا لشهادة لا تقل عن دبلوم.

وقال مدرب التنمية البشرية، يوسف شعيب، إن من يعطي دورات في التنمية وغيرها لابد أن يكون لديه شهادة أكاديمية، أما بالنسبة الى بعض المهن التي لا تتطلب أن يكون صاحبها حاصلا على شهادة مثل النجار أو الحداد فإنها تقوم في المقام الأول على التجربة والخبرة، فإذا كان الشخص لديه هذه الخبرة الفنية ويمتلكها، فلا مانع من العمل بمهنته، ولكن ينبغي أن يكون هناك جهة حكومية تختبر هؤلاء الفنيين في أعمالهم، وتؤكد أهليتهم للعمل فيها.

«العطارة» و«الحجامة» و«الزراعة» تصطدم بشروط «الدبلوم»

أبدى عدد من العاملين في محلات العطارة استياءهم حيال الجدول الجديد الصادر من هيئة القوى العاملة، والمتضمن عدم تجديد إذن عمل بعض المهن، ومنها العطارة، إلا بعد الحصول على شهادة دبلوم، علماً بأن أغلب العاملين حاصلون على شهادة ثانوية وما دونها.

وقال حمزة رشيد، وهو أحد هؤلاء العاملين، إن العطارة مهنة قديمة تمارس من الآباء والأجداد وغالباً ما تكون متوارثة، مضيفاً أنها تعد إحدى المهن التي لا تحتاج بالضرورة الى مؤهل دراسي معين بل تتطلب خبرة واسعة للتعامل مع المواد التي تباع.

ولفت رشيد إلى أن أغلب من يعملون في مهنة العطارة غير حاصلين على مؤهل الدبلوم، وبالتالي فإن هذا القرار ينذر بمشكلة، مؤكداً أن أصحاب تراخيص محلات العطارة سيبصحون عرضة لإقفال محالهم، «ونتمنى تعديل الجدول على أن يشمل تسهيلات للعاملين بدلاً من اضطرارهم للتحول إلى مهن أخرى».

بدوره، ذكر العطار سيف الرسن أن العطارة لا تحتاج لشهادة دبلوم، فالدبلوم يعتبر مؤهلا عاليا بالنسبة للعاملين في تلك المهنة، موضحاً انه اذا تم تطبيق ما ورد في الجدول الجديد للمهن فسيدفع الكثير منهم إلى تغيير مسماهم في إذن العمل بما يتناسب مع مؤهلاتهم.

وأضاف الرسن أن تجديد إذن العمل يجب أن يركز أكثر على مسألة الراتب المذكور خصوصاً أن هناك من يتحايل في حال تغيير المهنة، بالتلاعب في الراتب المدون سواء بالزيادة او النقصان، مطالباً بالتمهل لمنح وقت للدراسة أكثر حول المؤهلات الدراسية للمهن الحرفية والنادرة في البلاد والبدء بتطبيقها على القادمين.

من جهته لفت العطار عبدالرحمن محمد إلى أن بعض القرارات لا تطور العمل بل تنفر الكثير من العاملين الذين أتوا من بلادهم لسد النواقص والمساهمة في زيادة سوق العمل بالأيدي العاملة، فضلاً عن كسب الرزق، مضيفاً أن المحلات التجارية مثل العطارة والحلاقة وبيع العصير وغيرها لا تتطلب شهادة معينة، فهي موجودة لخدمة الزبائن فقط.

الحجام مهنة شعبية

وتتسع مفارقات الجدول الجديد ومتطلباته الخاصة بالمؤهلات الدراسية لتفرض على الحجام والدلال والفني الزراعي ضرورة حصوله على الدبلوم، مما يضع علامات استفهام بشأن تحديد آلية دراسة المهن واختيارها.

واستغرب محمد عمران الذي يعمل بالحجامة بشأن تحديد شهادة دبلوم لمسمى الحجام، مبيناً أنها مهنة شعبية يمكن تعلمها، والعديد من العاملين بها يمارسونها بحسب خبرتهم ولا تحتاج لشهادة دراسية معينة، مضيفاً أن من يعملون في الحجامة نادراً ما تجد مسمياتهم في إذن العمل حجاماً.

وفي السياق، لفت عدد من المزارعين إلى أن أغلب المهن الزراعية المسجلة في تصنيف الحيازات يحتوي على عمالة وفنيين زراعيين، مشيرين إلى أن جدول المهن لا يمكن أن يربط العامل بشهادة دراسية أكثر من المتوسط، بينما تكمن المشكلة في الفني الزراعي، مؤكدين أن هناك من الفنيين من يعتمد على خبرته ولا يملك دبلوماً زراعياً منذ وصوله للكويت.

وأضاف هؤلاء أنهم سيعملون على تغيير تصنيف جدول المهن المسجل على الحيازات الزراعية على أن تسهل عملية التجديد لأذونات عمل العاملين بها، إذ وصفوها بأنها نوع من التحايل لتنفيذ متطلبات العمل.

سيد القصاص ومحمد جاسم وجراح الناصر