بدأ المسرح الكويتي في ثلاثينيات القرن الماضي، وكان له السبق على التجارب المسرحية في دول الخليج الأخرى، لكن بداياته كانت مدرسية من تقديم طلاب مدرسة المباركية عام 1938 - 1939، وكان العرض لمسرحية «إسلام عمر»، وحتى عام 1940 كانت هناك 4 فرق مسرحية مدرسية في الكويت، وفي نهاية الأربعينيات قدم أول نص مسرحي كتب في الكويت من تأليف الشاعر أحمد العدواني، ومثلته فرقة التمثيل، وهو رواية هزلية اسمها «مهزلة في مهزلة»، ثم أخذت الحركة المسرحية الطابع الرسمي بعد استدعاء دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل الممثل المسرحي والكاتب المصري زكي طليمات، الذي يرجع له الفضل في تأسيس الحركة المسرحية في الكويت، حين قام بتكوين «فرقة المسرح العربي كنواة للمسرح الكويتي الحديث، لتظهر فرقة «المسرح الشعبي، للفنانين محمد النشمي وعبدالله خريبط وعبدالله حسين وغيرهم، وتأثرت في بداياتها بمسرح الريحاني، تلا ذلك تأسيس فرقتي «المسرح الوطني» و«مسرح الخليج العربي»، وكانت آخر الفرق المسرحية ظهوراً في الكويت، هي فرقة (المسرح الكويتي) التي أسست في 1964 بجهود محمد النشمي - الذي أسس المسرح الشعبي من قبل وفارقه.

المتتبع لحركة المسرح الكويتي منذ البدايات حتى الآن، يجد تراجعاً كبيراً على عدة مستويات فنية، ورغم استمرار العروض المسرحية في الكويت، التي لا تزال رائدة خليجياً في ذلك الجانب، فإن ما واكب انطلاقتها من نجاح وتأثير بالغ سياسياً واجتماعياً وفنياً يتنافى مع الواقع الحالي، الذي يعكس صورة باهتة إزاء التجربة الكويتية الرائدة بالمسرح.

Ad

«الجريدة» حاورت أهم رواد المسرح الكويتي، الذين عاصروا عهد النهضة، وأكدوا أن المسرح الكويتي «انتهى»، مما أدى إلى عزوف الرواد عن المشاركة في ما يقدم من عروض لا ترتقي لمستوى المسرح الكويتي... وفي السطور التالية المزيد من التفاصيل:

في البداية قال الفنان الكبير عبدالعزيز الحداد، إن المسرح الكويتي يظل بخير دائماً لكنه مراحل، حيث يتنقل من مرحلة إلى مرحلة.

وأوضح الحداد، أن مسرح البدايات كان مسرحاً مقتبساً مع الفنانين الرواد محمد النشمي وحسين الحداد وحمد الرجيب، وهذه مرحلة، ثم جاءت المرحلة التالية، وكان روادها هم عبدالرحمن الضويحي وفؤاد الشطي وصقر الرشود وعبدالعزيز السريع، وهناك بدأت مرحلة تكوين الجمهور، وأصبح هناك جمهور النشمي، وجمور حمد الرجيب وجمهور حسين الحداد، وهي إحدى أهم مراحل تطور وتشكل المسرح الكويتي وجمهوره.

فنان راقٍ

واستطرد: «كان الفنان الموجود على خشبة المسرح يكاد يكون أكثر رقياً من الجمهور، فالنشمي على سبيل المثال كان وكيل وزارة، وحسين الحداد كان مهندساً، وكان صقر الرشود وعبدالعزيز السريع وعبدالرحمن الضويحي، كلهم كانوا أصحاب مراكز علمية ووظيفية رفيعة، وكان لذلك دور في تقديم أعمال راقية دفعت بالمجتمع كله لنهضة ثقافية في ذلك الوقت».

وحول نجاح العروض المسرحية في الكويت بالسنوات الأخيرة، قال الحداد: «ما نراه الآن ليس نجاحاً فنياً أو مسرحياً، بل نجاح عروض فنية، يتسابق عليها أصحاب تلك العروض، لكن المسرح يعتمد على عنصر في شدة الخطورة والأهمية وهو المخرج، ولكن ما نشهده في السنوات الأخيرة من أعمال لا يمكن أن نشعر فيها بوجود مخرج أو حتى نتذكر اسمه، مقارنة بأعمال المسرح الكويتي في الخمسينيات والستينيات إذ كان المخرج في هذا الوقت أحد أهم نجوم العمل المسرحي نظراً إلى دوره البارز ورؤيته الإخراجية التي تعتبر أحد أهم عناصر نجاح العمل».

الضحك والكوميديا

وأكد الحداد أن هناك فرقاً كبيراً بين الضحك والكوميديا، فالمرحلة التي كان روادها الفنانون صقر الرشود وفؤاد الشطي وعبدالحسين عبدالرضا وسعد الفرج كانوا يقدمون الكوميديا الضاحكة، أما ما نشاهده الآن هي عروض وليست مسرحاً، وما يقدمه الممثلون هو ضحك بدون كوميديا، لأنه لا يخدم أهداف المسرح ولا رسالته.

وأضاف الحداد، أن المسرح الحقيقي الآن يدعو للخوف، فالمنتج والممثل لديهما مخاوفهما من إنتاج مسرح حقيقي، لأنها مخاطرة فربما لا يجد الجمهور الذي يقدر هذه العمل، فالدراما التلفزيونية سحبت البساط من المسرح الحقيقي الذي كان يقدم الدراما والقصة القريبة من الجمهور والتي تدفعه للتفاعل والحزن والفرح والغضب والحب والكره، والآن تقلدت الدراما التلفزيونية ذات الدور وبقي للمسرح فقط أن يقدم الضحك، وأن تحضر عرضاً مسلياً ثم تعود إلى منزلك وقد انتهى الأمر، ولم يتعدّ تأثيره على الجمهور سوى بضع دقائق هي مدة العرض، وهو ما يعني أنه لا يوجد الآن مسرح.

العمالقة ابتعدوا

من جانبه أكد الفنان القدير عبدالإمام عبدالله، أن المسرح الكويتي لا يزال بقوته وله نجومه، ربما هناك عمالقة ابتعدوا أو رحلوا، لكن هناك عمالقة لا يزالون على الساحة الفنية، إلا أن المسرح الكويتي يحتاج إلى عودة مؤثرة وقوية.

وأضاف عبدالله أن الفنان الراحل صقر الرشود أول من غير مفاهيم المسرح الكويتي ودفع الناس للمتابعة، إذ كان المسرح الكويتي في هذه المرحلة لا يدري عنه أحد سوى في أعمال الكوميديا التي كان يكتبها الراحل عبدالرحمن الضويحي، لكن حين قدم صقر «على جناح التبريزي» أذهل الناس، حين قال لهم هذا هو المسرح الكويتي.

بداية قوية

وأشار عبدالله إلى أنه في مهرجان دمشق المسرحي حصلت تلك المسرحية على المركز الأول وسط مشاركات غنية ومنافسة قوية بين كل المسارح العربية والتي كانت تمتلك من الخبرة والإمكانات في ذلك الوقت ما يفوق المسرح الكويتي في حينها، وخاصة المسرح التونسي والمغربي الذي كان من أهم وأقوى المسارح العربية حينها، مكتسحاً المهرجانات حاصداً الجوائز، ولكن المسرح الكويتي في هذه المرحلة بدأ في لفت الأنظار وإثبات نفسه بقوة.

وأرجع عبدالله قوة المسرح إلى قوة النص، فالكاتب المميز يستطيع طرح قضايا مهمة بلغة سهلة قريبة من الجمهور ولكن ليست مبتذلة أو ركيكة، ورغم أن هناك عمالقة رحلوا عن المسرح لكن الكويت غنية، ويوجد عمالقة حالياً، لكن أين هو النص الجيد الذي يدفعهم للعودة واعتلاء خشبة المسرح من جديد؟ ومنهم الفنانون الكبار سعد الفرج وإبراهيم الصلال ومحمد المنصور وجاسم النبهان وأحمد مساعد، ومن الفنانات هناك مريم الصالح وسعاد عبدالله وحياة الفهد وهدى حسين وإلهام الفضالة وباسمة حمادة، ولكن أين النص الجيد؟

رسالة من فنان

ويحكي عبدالله أنه «منذ 12 عاماً قدمت مسرحية بعنوان «قناص خيطان» وهي آخر أعمال الفنان الراحل عبدالحسين عبدالرضا المسرحية، وهي أيضاً آخر أعمال الفنانة الكبيرة حياة الفهد، كما توقف عمالقة المسرح عن تقديم عروض مسرحية رغم استمرارهم في الدراما التلفزيونية، وهي رسالة مفيدة للجمهور بأنه لا يوجد النص الذي يقدمونه للجمهور الذي يتوقع منهم بعد هذا التاريخ عملاً لائقاً بمكانتهم لدى محبيهم».

وشدد عبدالله على أنه إذا ما توفر النص الجيد الذي يليق بعمالقة المسرح من الرواد لأن يعودوا ويقدموا ما يليق بهم وبالجمهور فإنه لا أمل من وجود عمل مسرحي فني وجماهيري متكامل كتلك الأعمال التي شهدت نهضة المسرح الكويتي في السابق.

تأخر المسرح

من ناحيته رأى الفنان الكبير جاسم النبهان أن المسرح كان ولابد أن يظل جزءاً من الحياة اليومية للإنسان، من أول نشأة المسرح وحتى يومنا هذا، ولكن في السنوات الأخيرة تأخر المسرح في الكويت خصوصاً والمنطقة العربية عموماً.

وأضاف النبهان أن المسرح كما هو متعارف عليه يحمل هم المجتمع الاقتصادي والثقافي والاجتماعي والسياسي ويطرح كل ما يجول بخاطر الجمهور، ولذلك فإن الثالوث المسرحي اكتملت أركانه في تلك المرحلة في أعلى مستويات التكامل الفني والشعبي وهم المسرح والممثل والجمهور.

وقال النبهان: «قد يكون هناك الكثير من المسارح اليوم في الكويت، كما يوجد شباب مهتمون بالمسرح ولديهم نشاط واضح نشجع عليه، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن: «هل ما يقدمونه من نصوص نجدها في المكتبات تُقرأ؟».

المسارح الشعبية

ولفت النبهان إلى أن المسارح الشعبية كانت تتميز بنشاط كبير حين كانت تابعة لوزارة الشؤون في البدايات لأنها كانت تخضع للرقابة والمحاسبة من الوزارة عن حجم ما قدموا من أعمال أو حجم التراخي في تقديم انجازات فنية، ولكن لهذه المحاسبة دور في نشاط الحركة المسرحية والفرق الشعبية في ذلك الوقت.

واستنكر النبهان أن الفرق الشعبية الآن تعمل فقط في المهرجانات الرسمية للدولة فيما يتوقف عطاؤها ونشاطها طوال العام، ولم تعد تبادر بتقديم الأعمال والتنافس كما كان الأمر في السابق، فضلاً عن ذلك فلا تعرض أعمال المهرجانات على الجمهور بل فقط النخبة من حضور المهرجان مما يجعل تلك الأعمال لا تحظى بالشعبية الكافية، والدليل على ذلك أن رواد المسرح الكويتي والأسماء الشهيرة في هذا المجال هم فقط الرواد السابقون فيما لم يستطع الجيل الجديد وضع بصمة حقيقة للمسرح الكويتي.

وشدد النبهان على أهمية الفرق الأهلية قائلاً: «يجب عودة الفرق المسرحية الأربعة وإحيائها من جديد وهي فرقة المسرح الكويتي وفرقة المسرح الشعبي وفرقة مسرح الخليج وفرقة المسرح العربي، والمنوطة من قبل الدولة بتولي دور دفع وتعزيز المسرح في الكويت، ومن خلالهم نستطيع أن نواصل كفنانين دورنا في تقديم عمل راقٍ للجمهور وأن نحمل هم بلدنا ومنطقتنا الخليجية والعربية من خلال أعمال على مستوى لائق».

البداية بالمدرسة

وحول الرأي الأكاديمي بشأن واقع المسرح الكويتي، قال العميد الأسبق للمعهد العالي للفنون المسرحية د. محمد مبارك بلال إن تأخر المسرح الكويتي هي جملة عامة تتسم بالشمولية ولذلك فهي ليست دقيقة، الجميع يعلم أن المسرح الكويتي بدأ في المدرسة، ولذلك فقد كان رسمياً، وكلنا نعرف المقولة الخطيرة التي قالها الشيخ الراحل أحمد الجابر حين رأى أول مسرحية تعرض بالكويت عام 1939، في مدرسة المباركية، قائلا: «أين نحن من هذا؟»، ما اعتبره الفنانون في ذلك العصر ضوءاً أخضر لانطلاقة المسرح في الكويت.

وأوضح مبارك أنه في الأربعينيات ظهر بالمدرسة الكويتية تيار يعتبر بداية لمسرح فارس عامي بأعمال مرتجلة قصيرة منها مسرحية «أم عنبر» والتي تنبئ عن بوادر وبذرة طيبة بدأت تنبت على خشبة المسرح الكويتي، وهنا تبناها الفنانون في الخمسينيات وخاصة الفنان الرائد محمد النشمي الذي بدأ تقديم أعماله المسرحية وتقدر بحوالي 20 عملاً مسرحياً أطلق عليها الناس فيما بعد وصف «مرتجلة»- وهي قضية أخرى تخضع للنقاش- ولكن الشاهد في هذا الأمر أن هذه المسرحيات كانت تناقش باللهجة العامية الكويتية موضوعاتنا اليومية الشعبية المعاصرة في ذلك الوقت.

عناصر المسرح

وأكد مبارك أنه إذا كان هناك اكتمال للعناصر المسرحية الثلاثة في شكل ثالوث أو مثلث، وهي المسرح والفنان والجمهور، مع وجود نص جيد، يستطيع العرض أن يحظى بشعبية واقبال الجمهور، ولكن بالاعتماد على مدى معاصرة هذا العرض المسرحي للجمهور وقضايا المجتمع ومدى التوافق مع خصوصية البلد أو الجمهور.

وأشار مبارك إلى أنه على المستوى المهني هناك أدوات لقياس مدى جودة لعمل المسرحي بعيداً عن العرض المسرحي والجمهور من خلال ما يسمى بالنقد الفني أو التطبيقي.

ولفت مبارك إلى أنه في مسرحيات العصر المسرحي الرائد بالكويت كان الممثل يصعد على خشبة المسرح ويلقي عليهم نصف أحد الأمثال، فتجد الجمهور يكمل باقي المثل بنفسه، نتيجة خصوصية العروض بالمجتمع الكويتي وقربها من الجمهور وهي إحدى وسائل الخطاب المساعدة للتفاعل مع الجمهور واقترابه من العرض حتى ينطبع في نفسه ويؤثر فيه.

مشاعر الجمهور

واستطرد مبارك: «كما توجد أبعاد أخرى تساعد على هذا التواصل بين المسرح والفنان والجمهور ومنها البعد الفني الذي يساعد الممثل المسرحي على ملامسة مشاعر الجمهور».

وبالنهاية أكد مبارك أنه المسرح الكويتي لا يعاني من نقص، ولكنه مسرح مختلف، فلكل زمان دولة ورجال، نتيجة التغيرات الجذرية في المجتمع الكويتي، الأغلبية العظمى من جمهور المسرح الآن هم من الشباب، لذلك فهناك اختلاف في المسرح عن سابق عهده لأن الجمهور والزمن والقضايا والبيئة وطبيعة الخطاب اختلفوا جذرياً عن السابق، وأصبح للشباب الذين يعتلون خشبة المسرح لغة خاصة بهم يفهمها أقرانهم ويتفاعلون معها.

عزة إبراهيم