بعد أن هدأت زوبعة الردود على ما أدلى به فائق الشيخ علي، في برنامج الصندوق الأسود، سوف أدلي بدلوي - متأخراً قليلاً - لأقول:

عرفت الصديق فائق الشيخ علي في لندن، باعتباره واحداً ممن كان لهم دور فاعل في مواجهة النظام الدكتاتوري بالعراق أثناء الانتفاضة عام 1991، وأحد الذين كانوا يشرفون على تنظيم اللاجئين بمخيم رفحة في السعودية، ثم امتد نشاطه في أوساط المعارضات العراقية بالساحة البريطانية، ولم يكن فائق منتمياً لأي فصيلٍ منها، وأصبح نشاطه لافتاً في تسليط الضوء على جرائم النظام الدكتاتورية في بغداد، فكتب بعدة صحف، وقد استضفته في إذاعة "كل العرب"، التي كنت أديرها في لندن، وتحدث عن تجربته المؤلمة.

Ad

***

والصديق فائق الشيخ علي، بحكم معايشته للتنظيمات والأحزاب في لندن، كان على بيّنة من تصوراتها قبل سقوط النظام الدكتاتوري، ومُلماً إلماماً كافياً بأغلب ما فيها من تناقضات أدت إلى هذه الكوارث، التي كان من نتيجتها أن جعلت واحدة من أغنى الدول فوق هذا الكوكب تصبح من أشد الدول فقراً!

نعم... لقد أشار إلى بعضها، لكنني وجدته - في الصندوق الأسود - قد كرّس جهداً كبيراً، استغرق عدة حلقات للخوض في التفاصيل المملة أشد الملل، عن المرجعيات الدينية، وكأن تاريخ العراق السياسي والاقتصادي والاجتماعي كان مرهوناً بهذه المرجعيات واتجاهاتها وخلافاتها، وميولها، واجتهاداتها، لدرجة أن المستمع إلى ما قيل من معلومات عن المرجعيات الدينية أصبح لديه يقين بأن العراق لا يستطيع الفكاك من هيمنة الدوران في فلك تلك المرجعيات! علماً بأن هناك قطاعات كبيرة من مشاهدي البرنامج لا تعنيهم كثيراً مثل تلك التفاصيل المملة عن مرجعيات خاصة بطبقةٍ معيّنة، ولأُناس مُعيّنين من الشعب العراقي، الذي صار يترحم على أيام النظام الدكتاتوري، بسبب هيمنة وفتاوى هذه المرجعيات.

ولابدّ لي من الاعتراف بأن فائق أظهر فروسية وشجاعة في معظم اللقاءات، التي كانت تُجرى معه، لكنني كنت أطمح منه إلى المزيد، لأنّه يعايش التجربة عن كثبٍ كعضوٍ في البرلمان، وكمشرّع قانوني، إذ كان بمقدوره أن يكشف حقيقة من كانوا يعارضون بالأمس، وأصبحوا من كبار اللصوص اليوم!

وكان بمقدوره أن يتحدث عن اللعبة الطائفية من كل الأطراف، التي كانت توزع المحاصصات الطائفية في أروقة البرلمان، ودور المرجعيات فيها، فهذا الجانب - مع الأسف - لم يوفّه ما يستحق من الاهتمام والصراحة.

***

أعتقد أن الصديق فائق كان مضطراً للخوض بالموضوعات السياسية، بينما هو كان يتمنى لو أن إعداد الأسئلة قد اشتمل على الأدب والشعر والفن والمسرح والموسيقى، وساعتها كان قد حلّق مع الجواهري ونازك والسياب، وتحدّث عن النشاطات الحضارية الأخرى.

***

في النهاية، أشكر الصديق فائق الشيخ علي أن جاء على ذِكْري أكثر من مرة، وإن كنت أتمنى عليه - وهو قد عاصرني - لو أنّه ذكر كيف كنت مكرساً كل طاقاتي في محاربة نظام صدام، بدلاً من مرورهِ عليه مرور الكرام!

د.نجم عبدالكريم