في منتصف الثمانينيات كنت أدرس مادة "السيرة النبوية" في كلية الشريعة عند الدكتور سعد المرصفي، رحمه الله، فذكر لنا موقفا حصل معه في ألمانيا عن الغش في بيع السيارات الألمانية المستعملة، وهو: "في ألمانيا يوجد رجال عرب يعملون في بيع السيارات الألمانية المستعملة، وللأسف هؤلاء الرجال العرب بعضهم غير صادق في البيع، فمثلا يقول أحدهم للمشتري العربي إن السيارة بحالة ممتازة، ويكتشف أن فيها عيوبا، في المقابل تجد البائع الألماني غير المسلم يحتسي كأسا من الخمر ويبيعك السيارة ويخبرك بعيوبها إن كان فيها عيب! للأسف البائع العربي المسلم يغشك والألماني صادق لا يغش!".

يقول الإمام محمد عبده، رحمه الله: عندما زار بلاد الغرب: "رأيت إسلاما ولم أر مسلمين"، ويقصد أنهم يطبقون تعاليم الإسلام وهم غير مسلمين! تذكرت موقف الدكتور سعد عندما تعطلت سيارتي وحملتها إلى ورشة التصليح في حولي عند الميكانيكي المسلم "سعيد" الذي أخبرني أنها تحتاج الى طرمبة بنزين جديدة وطلب مني (80 ديناراً)، وبعد أسبوع من إصلاحها تعطلت، وتكرر العطل 3 مرات خلال شهر واحد فقط... الصراحة لم يطمئن قلبي له، فذهبت بها للشويخ لميكانيكي يدعى "سنغ"، ولما فحصها اكتشف الخلل فوراً، وهو تهريب في الوقود فأصلحه في نصف ساعة، ولما سألته عن أجرة التصليح رفض "سنغ" أن يأخذ، لكني أصررت عليه فطلب عشرة دنانير فقط. العبرة من هذا الموقف الذي حصل معي أن الميكانيكي المسلم "سعيد" زيادة على أنه غير متمكن من عمله كاذب في تعامله، ودائما يعدني باستلام سيارتي في يوم محدد ويخلف وعده، حتى أنني لم أشعر معه بالثقة والاطمئنان، والدليل عدم إعطائي فاتورة الشراء والقطعة القديمة المستهلكة، بالرغم من طلبي المتكرر لهما! بعكس "سنغ" غير المسلم، فقد كان متمكنا وصادقا في تعامله معي، ولا يأخذ مالا أكثر من حقه، وتشعر معه بالثقة والاطمئنان لمقدرته وحسن تعامله مع الزبون.

Ad

يقول رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام: "من غشنا فليس منا"، لذا أرجو من العاملين أن يتقوا الله في عملهم، وأن يتحلوا بالصدق والأمانة وحسن التعامل مع الناس لكسب قلوبهم قبل كسب جيوبهم.

* آخر المقال: يقول رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام: "يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، لاَ يُبَالِي المَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ، أَمِنَ الحَلاَلِ أَمْ مِنَ الحَرَامِ".

● محمد العويصي