كالعادة وفي الوقت نفسه من كل سنة يتزامن حدثان في آن واحد هما: نفوق أسماك جون الكويت وصيحات الاستهجان من الشارع الكويتي مجهزين بذلك "المقصلة" الشعبية لجهة حكومية ما، لتتحد بذلك أصابع الاتهام ضد طرف دون الآخر في المسألة، وما بين هذا وذلك يتكسب المتكسب ويتفذلك المتفذلك ويصعد بعض النواب والأطراف والشخصيات العامة على أكتاف الآخرين ليتصدروا المشهد، كل هذا دون فائدة ترجى أو حلول حقيقية مستدامة.

وهذا طبيعي ما دام الرأي العلمي الفني قد وضع جانبا في مهب الريح، وفي نهاية المطاف وكالعادة يكون المواطن ضحية بشح مخزونه السمكي وبيئته البحرية المسمومة وطبعا مقاطع على "الواتساب" من ربات البيوت تشرح فيها نظرية المؤامرة ضد "الهامور" الكويتي لمصلحة سمك "السيباس" التركي!!!

Ad

لكن ما حقيقة ما يحدث وبشكل سنوي ها هنا في جون الكويت؟! فترات الصيف وعوامل التجوية الطبيعية متزامنة مع ارتفاع درجات الحرارة تؤثر بشكل مباشر على مستويات الأكسجين المذاب في المناطق الداخلية من جون الكويت بالقرب من الساحل، ويكون هذا الأكسجين بمعدلات تصل إلى أقل من 2 ملغم/لتر مما يشير الى نشاط حيوي تفاعلي غير عادي قد يكون من المغذيات الحيوية المصاحبة للملوثات أو من الأسماك نفسها النافقة وغيرها.

طبعاً هذا النشاط قد يبدأ بشكل طبيعي أو تراكمي من ملوثات تنصب في الجون ونفايات سائلة وصلبة تسكب كذلك من كل الأنشطة داخل الجون مع تداخل لمعدلات مرتفعة من الصيد و"الكراف" وحركة التيارات المائية كذلك، ومجمل تلك العوامل المتداخلة يؤدي من ثلاثة إلى خمسة حوادث أو فترات من نفوق الأسماك على مدار السنة في الكويت، وجل تلك العوامل أيضا تجعل أسباب زيادة معدلات النفوق (وهي مسألة طبيعية تحدث في كل مسطح مائي) متداخلة وككرة اللهب تقذف من كل طرف على الآخر في اتهام صريح ومباشر دون اللجوء إلى الحلول الحقيقية والمستدامة.

وفي حقيقة الأمر أن الدراسات الأخيرة الموثوقة تشير إلى أن التلوث العالي في طبقات التربة السفلى تشكل سبباً رئيساً لحوادث النفوق علاوة على العوامل التي تمت الإشارة إليها سابقا، وما دامت البيئة البحرية مصباً للملوثات ودون إدارة صحية بيئية لسواحل البلاد فالمسألة ستتكرر بكميات كبيرة كل سنة وكل عام، والسمك بكل خير وبكل أحجامه وأوزانه كذلك، فالحلول الحقيقية لمسألة النفوق تكمن في معالجة مصادر التلوث ومغذيات سلسلة بداية النفوق، ومع وجود اشتراطات عالية ومراقبة مستمرة لجعل التربة البحرية تتعافى في السنين القادمة مع تفعيل عمليات كشط التربة في المياه الضحلة كذلك. كل هذا من شأنه أيضا أن يعزز صحة البيئة البحرية الكويتية ومخزون الدولة السمكي الذي أصبح شح الأسماك فيه، اعتقادا من البعض، مرتبطاً بالصيد الجائر فقط، وهذا غير صحيح ويحتاج الى مراجعة حقيقية، ومن هذا وذلك ولعل وعسى نرى الصبور على المائدة مرة أخرى وفي وقت قريب.

على الهامش: لتحقيق "انفراجة" سياسية في البلاد، أصبح العفو الشامل عن قضايا الرأي السياسي أمراً ملحاً وضرورياً، بل حجر الزاوية لأي عمل إصلاحي شامل في المستقبل.

هامش أخير: كمشكلة نفوق الأسماك جل مشاكلنا يمكن تفاديها بالإدارة الصحيحة والسليمة للمسألة، وجزيل الشكر والعرفان لأبناء الوطن الغيورين المتخصصين الذين ناقشتهم بالأدلة والحجج العلمية في هذا المجال كذلك.

● ‏‫د. سلطان ماجد السالم