صدرت المختارات الشعرية ضمن مشروع "جسور الشعر"، الذي جاء بدعم من مبادرة إثراء المحتوى، التابعة لمركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء)، لتقديم الشعر السعودي من خلال الترجمة، وتم اختيار أهم دور النشر العالمية، لنشر هذه المبادرة من خلال دار "أل دانتي - لا بريس دي رويال" الفرنسية، التي أشرفت على أكثر من ثلاثين سلسلة نثرية، وتم تأسيسها عام 1992م، ويشرف عليها الناقد لوران كووي كما قام بترجمة النصوص الشاعر التونسي معز ماجد، وضمت المبادرة كتاب مختارات الشعر السعودي، التي شملت مختارات لـ43 شاعراً سعودياً، إضافة إلى أربعة دواوين شعرية لكل من أحمد الملا، وغسان الخنيزي، ومحمد الحرز وصالح زمانان.

وحول اختيار الشعراء في المختارات، قال الشاعر والناقد عبدالله السفر إن نصوص "رمالٌ تركضُ بالوقت.. مختارات شعرية سعودية" تقع في فضاء القصيدة الجديدة المكتوبة في السعودية خلال الـ 25 سنة الأخيرة؛ منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي وحتى عام 2019 حيث ينتمي ما يزيد على نصف شاعرات وشعراء هذه المختارات (29 من 43) إلى العشرية الثانية شعراً وإلى التسعينيات والثمانينيات وأواخر السبعينيات ميلاداً.

Ad

وأضاف السفر أن هذه الأصوات تعبر في مجموعها عن الحالة الشعرية في البلاد؛ موضوعاتٍ ورؤى وأساليب تطبع التجربة العامة مع فرادة التجربة الشخصية التي تشير إلى خصوصيّة وتميّز رغم الانتماء إلى الفضاء نفسه. وبحكم المتابعة للساحة الشعرية المحلية وما تقدّمه الأصوات الشابّة من جديدٍ إبداعيّ عبر منابر النشر الإلكتروني والصحافي، وما يتوّج بعضه في كتابٍ شعري يمثّل وجهاً نوعيّاً يضيف إلى رصيد القصيدة الجديدة لدينا ويضاعف من حضور التجربة وخبرتها... بحكم هذه المتابعة ـــ قراءةً وكتابةً ـــ تصبح الصورة القادمة لـ "المختارات" أسماءً ونصوصاً قريبة ودانية وواضحة... لكنها في الوقت نفسه شاقّة ومحرجة لجهة الالتزام بعددٍ محدود من الأسماء وبعددٍ معيّن من الصفحات لا تتعدّاه.

وزاد: "بهذا القيد وبهذا المعنى لا تدّعي هذه المختارات أنها محيطة بكامل المشهد الشعري، ضمن القصيدة الجديدة، والفاعلين شعريّا فيه.. غير أنها تسعى إلى تمثيلٍ دالٍّ يقدّم قصيدتنا في قوس قزحها الجمالي؛ متعدّدا واختباريّا في حساسيّة ينتظم في بهائها أكثر من جيلٍ، قلتُ عنهم ذات كتابة أنهم يشكّلون تياراً واحدا ولكن بطبقاتٍ غنية من التنوّع والتجاور المخصِّب".

ما بين الماضي والحاضر

وعن المفارقات ما بين الأنطولوجيات السابقة التي قام بإعدادها وهذه الانطلوجيا، قال السفر: "أُنجِزت مختارات (يصرّون على البحر.. شعريّات سعودية)، بتعاونٍ مع الصديق الشاعر والناقد محمد الحرز، في عام 2007 بطلبٍ من وزارة الثقافة الجزائرية في إطار احتفالية (الجزائر عاصمة الثقافة العربية) في ذلك العام. وقد قَدّمَت تلك المختارات المشهد الشعري السعودي المنبثق من موجة الحداثة التي أخذت في الظهور والتدفّق والتدافع في عقد السبعينيات مع ما سُمّي وقتذاك بـ (الطفرة) بمفاعيلها المختلفة ـ والثقافة إحدى تلك المفاعيل والتبديّات ـ لهذا كان الحضور الوازن، نحو نصف المختارات، للجيل التأسيسي وللمشاركين معه بخاصّة في الثمانينيات (الفترة الذهبية لجيل الحداثة الأول). إلى جوار هؤلاء كان الجيل البَيْني (الثماتسعيني) وجيل التسعينات".

وأضاف أن مختارات "رمال تركض في الوقت" لا تعيد رصد المشهد من جديد أو تكرّره بحذافيره، بل تشدّد على التواصل والتنافذ في فضاء القصيدة الجديدة، وعلى الاستمرار والبناء واكتشاف المساحات الجديدة والحقول النضرة التي يجترحها جيل الألفية، ومن سبقه في التجربة لكنه يواكب ويبحث ويتجدّد. ومن جهةٍ أخرى، فإنّ "رمال تركض" لا تتوجّه للقارئ العربي، بل القارئ باللغة الفرنسية.. وهذا يقضي باختيار النصوص القابلة للترجمة، وبما ييسِّر نقلها إلى ضفة الاستقبال، ورغم هذا كان للمترجم الصديق معز ماجد، مراجعات لبعض النصوص التي وجد من العسير ترجمتها فجرى تعويضها.

الحرية عنوان القصيدة الجديدة

وفي مقدمة المختارات كتب عبدالله السفر حول تجربة الجيل الجديد في كتابة قصيدة النثر: "الحريّة هي العنوان الذي تنكتب في ضوئِهِ القصيدةُ الجديدة بالسعودية. المساحة شاسعة بلا أسوار والخريطة بيضاء تخلو من التضاريس وليس ثمّة في العمل من أربابٍ سابقين يتجوّلون بآثارهم وكراسيهم المنصوبة في الغيم يطابقون ويمنحون بطاقةَ العبور أو يقومون بإغلاق البوّابة؛ فينعمون بشارةِ التميّز أو الإخفاق. المجال مفتوح تماماً والطائراتُ الورقيّة في كلّ مكان لها من الأشكالِ والألوان ما يرسّخُ الاحتفال وبهجةَ اللعب وبداهةَ المبادرة دونَ احتكامٍ إلى سابقةٍ تعمل مثل قيد. انفلاتٌ هائج ترعاهُ الحواسُّ إذْ تنغمرُ في المجهول لا رادعٌ يمنعُ عن المضيِّ أو خشيةٌ تنثرُ أشواكَ التردّد. الخفّةُ التي تُنسِي الأقدامَ تاريخَ الخطوات وأثقالِها. العينُ التي تحُلُّ وتركّبُ وتحكي خافِتَ الضوءِ وما يسرّبُهُ الصمتُ في الزوايا.

فضاء مفتوح للكتابة

وأضاف السفر في مقدمته "باتت المدوّنات والمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي من فيسبوك وتويتر هي المنصّة التي تتجلّى فيها هذه الحريّة. ففي فضاءٍ مفتوحٍ ومُشرَعٍ على التنافذ، لم تعد الكتابة حبيسةَ الأدراج والغرف المغلقة أو رهنَ الانتظار تتحيّنُ فرصةَ النشرِ أو رحمتَه. كما ولّى إلى غير رجعة دورُ الرقيب الثقافي والاجتماعي والسياسي الذي يفحصُ النصَّ ليتأكَّد من خلوِّهِ من علامات الخطر التي تقضُّ مضجع الأبويّة التي تريدُ الحياةَ ـ ومعها النص ـ منسجمةً مع العينِ المحافظة ونظرتِها التفقديّة تعزلُ ما تظنّهُ نشازاً أو غريباً أو هذياناً؛ يعكّرُ ماءَ الكتابة الذي كادَ أن يأسَنَ لفرط بقائِهِ في البحيرةِ ذاتها لا يتجدّدُ ولا يتّصلُ بمصبّاتٍ تقلبُ أعماقَهُ وترجُّ ركودَه. لقد تهاوَتْ بوّابةُ الناشر التقليديّة وترنّحتْ طاولةُ الرقيب. في ضغطة زر إرسال (send) تباشِرُ الكتابةُ حضورَها وتمثُلُ في هواءِ التفاعل القرائي إنْ بالإعجابِ أو عدمه أو بالتعليق أو حتّى بالإهمال من أي مؤشّر".