بعد "سكرة" الاحتفال تأتي "فكرة" الحقيقة... فتعامل الدولة مع مقبرة الإطارات بنقلها من منطقة إرحية إلى السالمي يعتبر إعادة تدوير للأزمة فقط، دون استغلال فرصها الواضحة.

فعلى الصعيد المالي ضاعت على الدولة مئات الملايين من الدنانير، إن لم تكن المليارات، بسبب بطء الاستثمار في إعادة تدوير الإطارات وتحويلها إلى منتجات أخرى، إلى جانب إضاعة فرص اقتصادية أكثر أهمية من المالية تتعلق بإهمال فرص استثمارية يمكن أن توفر فرص عمل للشباب الكويتيين أو تجلب الخبرات والتكنولوجيا الأجنبية.

Ad

وحسب تصريحات المدير العام للهيئة العامة للصناعة عبدالكريم تقي، فإن الطاقة الإنتاجية الشهرية لمصنع التدوير الحالي والمصنعين المزمع تشغيلهما لاحقاً تصل إلى 125 ألف إطار شهرياً، وهذا يعني أننا نحتاج إلى 28 عاماً، على الأقل، لتدوير كميات الإطارات الموجودة حالياً في السالمي، مع فرضية عدم إضافة إطارات جديدة إليها... مما يشير إلى عدم فهم أهمية إعادة التدوير من الناحيتين البيئية والاستثمارية، فضلاً عن الإقرار الضمني بفشل التعامل مع هذه الأزمة.

التدوير رافد اقتصادي

"إن إدارة النفايات وإعادة تدويرها يعد استثماراً مربحاً ورافداً مهماً لاقتصاد الدول"، هذا ما قاله المدير العام للهيئة العامة للبيئة الشيخ عبدالله الأحمد في افتتاح الملتقى الأول لإعادة التدوير من أجل بيئة مستدامة منذ سنوات، وهو كلام صحيح، إلا أن ما ينقصنا هو التطبيق، فما فائدة الكلام إن لم يكن هناك تطبيق حقيقي للاستثمار.

مشكلة النفايات هي مشكلة بيئية، وتحولت مع الوقت إلى فرصة للاستثمار من خلال إعادة تدويرها، فالعالم يسير نحو الاقتصاد الأخضر للحفاظ على البيئة من التغيرات المناخية، ومن ندرة الموارد أو زيادة عدد سكان الأرض على حد الموارد المتوافرة، ومن جانب أهمية الاستثمار لما له عوائد مالية واقتصادية كثيرة، فالعالم ينتج حوالي 5 مليارات طن من النفايات سنوياً بمعدل زيادة يتجاوز نسبة 10 في المئة، وحرق وإتلاف هذا الكم الهائل من النفايات ما هو إلا هدر مالي واقتصادي وبيئي.

فرص ضائعة

الكويت دولة الفرص الضائعة في الاستثمار في العديد من المجالات، ومن المؤكد أننا نهدر فرصة الاستثمار في النفايات، وإلى جانب ضياع الفرص الاستثمارية المالية نعاني ضياع الفرص الاقتصادية التي تتمثل في توفير فرص وظيفية وطنية وصناعة محلية، بالإضافة إلى ضياع فرصة المستثمر الأجنبي ذي الخبرة الكافية للتقدم والتطور في البيئة المستدامة. والنفايات ثروة يجب استهدافها والاستفادة منها، والاستثمار في تدويرها مسؤولية مشتركة بين القطاعين العام والخاص، فعلى الدولة أولاً وضع استراتيجية واضحة وخطة مستدامة لتدوير النفايات، وتكون على المدى البعيد والقريب، وتفعيل مبدأ مشاركة القطاع الخاص في تنفيذ مشاريع إعادة التدوير، ثم البدء في العمل.

وتشير آخر إحصائية صادرة عن بلدية الكويت إلى أن كمية النفايات التي استقبلتها مواقع الردم قد بلغت 2.5 مليون طن خلال عام 2017- 2018، والتي تشمل النفايات المنزلية والزراعية والتجارية، فالبلدية أمام تحدٍّ يعتبر الأضخم لأعمالها، فندرة الأراضي تشكل عائقاً آخر إلى جانب تجميع وإتلاف الكميات المتزايدة من النفايات، والحل كما هو واضح يكمن في "إعادة تدوير النفايات" وفتح فرص الاستثمار للقطاع الخاص بما فيها المشاريع الصغيرة والمتوسطة، للاستفادة اقتصادياً من إعادة التدوير ومن تأجير الأرض بدلاً من جعلها مكب نفايات لا فائدة منها، فهناك الكثير من الدول استفادت من النفايات بمثل هذه الطريقة كالنمسا وألمانيا وبلجيكا وهولندا وغيرها في الاتحاد الأوروبي وبقية العالم المتقدم.

قوانين تشريعية

لابد من الإشارة إلى أهمية القوانين التشريعية والإسراع في تطبيقها، إن نظام إعادة التدوير مسؤولية مشتركة بين الحكومة والمجتمع، وتوعية المجتمع مسؤولية حكومية تبدأ عن طريق فرض قوانين وعقوبات، وتنتهي في توعية المجتمع عن طريق البرامج الخاصة لرفع مستوى الوعي لدى المجتمع، فعلى سبيل المثال، ألمانيا شرعت قانوناً يحظر طمر النفايات منذ عام 2005، وشرعت رسوماً في حال اعتماد الأفراد على البلدية في تجميع النفايات، وفي عام 2013 بدأت الدنمارك بتطبيق قانون يفرض على المواطنين فصل نفاياتهم ليسهل فرزها وإعادة تدويرها على حسب نوع المادة.

وعلينا أن لا ننسى أهمية القوانين والعقوبات على الشركات أو المنتجين، فعلى الحكومة إصدار رسوم إضافية على الشركات التي تستخدم مواد يصعب إعادة تدويرها، إذ من المتوقع أن يرتفع إنتاج البلاستيك إلى 40 في المئة خلال عام 2030، ولن يتم الحد من استخدامه من الشركات المصنعة إلا بفرض عقوبات أو ضرائب على المنتجين.

دول الخليج

واقعياً، بدأت بعض دول الخليج والعالم في الانتقال إلى الاقتصاد التدويري، بمعنى أن كل الموارد الطبيعية تتم إعادة تدويرها للاستفادة منها في صناعات أو منتجات أخرى، مما يقضي على القلق الناتج من ندرة الموارد وزيادة فرص الاستثمار في مجال لا ينضب، وقد قدر حجم النفايات الصلبة في دول الخليج بنحو 92 مليون طن سنوياً، إنْ تم استغلالها بالشكل الصحيح فسيكون استثماراً يشكل جزءاً لا بأس به في الناتج المحلي للدول.

ففي السعودية يضيف الاستثمار في تدوير النفايات 37 مليار ريال للناتج المحلي، ويوفر 23 ألف وظيفة، وفي الإمارات يتم بناء أكبر محطات تحويل النفايات إلى طاقة في العالم، وستكون هذه المصانع قادرة على معالجة 60 في المئة من النفايات، إذ تبلغ سعة معالجتها ما يتراوح بين 600 ألف طن و900 ألف، وتصل إلى 90 ميغاواط من الطاقة، ومن المتوقع تقليل معدل إنتاج الفرد باليوم من النفايات إلى 0.9 في نهاية العام الحالي، أما في قطر فقد خصصوا 53 أرضاً للنشاطات التدويرية (تدوير المعادن، والإطارات، والنفايات الطبية، والبطاريات، البلاستيك، والأخشاب).

أنواع الاستثمار

سوق النفايات واسع، ويشمل النفايات الحميدة والخطيرة والصلبة والسائلة والغازية، ولكل نوع استثماره، لذلك يجب أن تتضافر الجهود بين الجهات الحكومية المعنية والقطاع الخاص في تقسيم العمل، فلا يمكن أن يتطور السوق في الكويت إلا إذا قامت الحكومة بوضع استراتيجية واضحة المعالم فيما يخص الدول المستوردة سواء في الإطارات أو الحديد أو حتى النفايات النفطية، وتحديد الهدف يزيد الفرص الاستثمارية في الأسواق العالمية والمحلية، كما أن حجم سوق التدوير عربياً يقدر بنحو 122 مليار دولار إلا أن هذا الرقم عبارة عن هدر وغير مستفاد منه، لعدم الاستثمار في تدوير النفايات الصلبة في الدول العربية.

حصة المطيري