إذا كان الحكم الديموقراطي هو الحكم الذي يستند إلى الإرادة العامة للشعب فإن أهم طرق التعبير عن هذه الإرادة هو الانتخابات العامة، فمشاركة جميع المواطنين فيها أهم آليات العمل الديموقراطي، ونجاح الديموقراطية يعتمد، أساساً، على دور المواطن ودرجة ارتفاع وعيه في اختيار الأكفأ في خدمة الوطن، الأحرص على المصلحة العامة، كما يعتمد أيضاً على حرصه على ممارسة حقوقه السياسية وأهمها حق الانتخاب.

الديموقراطية إنما تكتسب قوتها وفعاليتها بقدر النضج السياسي للمواطن وحرصه على حسن الاختيار، وكذلك شمول العملية الانتخابية لجميع المواطنين رجالاً ونساءً وبلا إقصاء لأي مكون وطني لاعتبارات تتعلق بالأصل أو المعتقد أو المذهب أو الجنس، ومن هنا تأتي أهمية مشاركة المرأة القطرية في العملية الانتخابية تصويتاً وترشيحاً وتمثيلاً في مجلس الشورى القطري الجديد.

Ad

كانت هذه مقدمة للحديث عن تجربة الانتخابات المرتقبة لأول مجلس شورى منتخب كامل السلطات تشارك فيها المرأة القطرية على قدم المساواة مع مواطنها الرجل، تصويتاً وترشيحاً، ويتنافسان معاً للفوز بالمقعد النيابي.

هذه المشاركة النسائية ليست الأولى، فقد سبق للمرأة القطرية أن خاضت أول تجربة قطرية في الانتخابات العامة للمجلس البلدي المركزي وفازت بعضوية المجلس وأثبتت جدارتها وكفاءتها وأهليتها لشغل المقعد البلدي.

لكن اليوم غير الأمس، والمقعد النيابي غير المقعد البلدي، والتنافس عليه سيكون حامياً، وكل يطمح إلى الفوز بشرف تمثيل الأمة، وما زالت القبلية في المجتمع القطري فاعلة لم تفلح عوامل التحديث من تعليم وثقافة وإعلام وتشريعات في تفكيكها، والنظرة الاجتماعية المشككة في أهلية المرأة للعمل السياسي والعمل النيابي باقية لدى قطاعات كبيرة في المجتمع، وهناك نخبة دينية وسياسية واجتماعية لها موقف سلبي تجاه خوض المرأة المعترك الانتخابي لمبررات نفسية أو دينية أو اجتماعية يرونها، وهي كلها مواريث حية وفاعلة تؤثر في توجهات هيئة الناخبين وقناعاتهم السياسية وتشكل نظرة سلبية تجاه المرأة المرشحة.

في ضوء هذه المعطيات السياسية والاجتماعية فإن المرأة المرشحة تواجه عقبات في طريقها لمجلس الشورى تجعل حظوظها بالظفر بالمقعد النيابي ضعيفة، فالمنافسة غير عادلة، لا يوجد أي تكافؤ فرص بين الرجل والمرأة في سباق انتخابي يفترض فيه عدالة تكافؤ الفرص، ومن ثم يتعذر وصول مرشحة واحدة لمجلس الشورى وذلك ليس لنقص في كفاءة المرأة بل لخلل في الفرص المتكافئة.

ما المخرج؟ وما الحل؟

إذا تركنا النساء للانتخابات (في ظل سباق غير متكافئ) فإنهن مظلومات، فمجتمعاتنا بتركيبتها العصبوية الحالية لن تعطي حقاً للمرأة مهما كانت مستحقة، ولا أمل لها في الرهان على المجتمع، فالرهان إنما يكون على الدولة، فإذا كانت الدولة حريصة على تمثيل نسائي مشرف في مجلسنا القادم، وهي كذلك، فأمامها أسلوبان:

أولاً: نظام الكوتا، وهو نظام معمول به في 80 دولة بينها دول عريقة في الديموقراطية، كما أنه موصى به من المنظمة الأممية، ويحظى بتأييد مواثيق حقوقية دولية، منها (سيداو) فلا حرج في العرف الانتخابي والديموقراطي عالمياً من تخصيص مقاعد للتنافس بين المرشحات، أيهن أكفأ.

ثانياً: نظام التعيين:

إذا كان هناك من يرى الكوتا أسلوباً يخل بالديموقراطية، وهناك نساء يستنكفنه ويرينه نوعاً من التشكيك في كفاءتهن، فلا مفر من أسلوب التعيين حلاً، إذ يملك سمو الأمير حق تعيين 15 عضواً بنص الدستور.

ما أهمية التمثيل النسائي؟

الحضور النسائي النيابي يضمن دوراً فاعلاً وعادلا، خصوصاً في صياغة التشريعات المتعلقة بالمرأة والطفل والأسرة، فهي الأدرى بهذه الشؤون، كما يرتقي بالعمل النيابي، ويحسن الأداء النوعي للمجلس، ويرقى بلغة الخطاب، ويلطف أجواء المساءلات والجدل والمناقشات الساخنة في مجلسنا القادم كما يهذب المسلكيات.

أخيراً: يبقى تأكيد أن هذه التجربة الشوروية تأتي:

1 - انطلاقاً من أصول قرآنية ثابتة في تقريرها قاعدة المشاورة العامة أسلوباً في الحكم.

2 - استكمالاً للمؤسسات الدستورية للدولة.

3 - استجابة لمتطلبات رفع كفاءة الأداء التنموي لرؤية قطر الوطنية 2030.

* كاتب قطري

● د. عبدالحميد الأنصاري