بإمكان دول المنطقة مجتمعة سواء كانت دول مجلس التعاون الخليجي الست أو دول شمال الخليج الأربع (دولة الكويت والمملكة العربية السعودية والعراق وإيران) أن تشكل تكاملاً اقتصادياً مثالياً وتحقيق الاكتفاء الذاتي في كثير من المجالات الاقتصادية، من خلال توحيد السياسات الاقتصادية وإزالة معوقات التبادل التجاري وإفساح المجال أمام انتقال الخبرات ورؤوس الأموال فيما بينها.

مثل هذه الخطوات لابد أن تؤدي في نهاية المطاف إلى تخفيض الضرائب والرسوم الجمركية، التي بدورها ستدفع نحو تخفيض أسعار السلع لمصلحة المصنعين والموزعين والمستهلكين على حد سواء.

Ad

في بيئة التكامل الاقتصادي تقوم كل دولة مشاركة بتقديم ما تحتاجه الدول الأخرى من مواد أولية أو خبرات أو عمالة ماهرة ورخيصة أو رؤوس أموال أو معدات لتعزيز عملية الإنتاج الاقتصادي أو كل هذه المتطلبات التي سوف تعود بالنفع على الدول الأخرى المشاركة في هذا «الكونسورتيوم». كما يشمل التكامل الاقتصادي تصنيع المعدات والآلات التي تحتكرها دول أخرى كالأدوية والمستلزمات الطبية ووسائل النقل والاتصال، والتصنيع الحربي بجميع مكوناته إذا لزم الأمر، فيتحقق لهذه الدول الاكتفاء الذاتي بالتالي الاستقرار الاقتصادي والسياسي وحتى الاجتماعي.

كلنا يعرف أنه من حسن حظ دولة الكويت وجود دول غنية تحيط بها مثل السعودية والعراق وإيران، بل إنها أغنى من الكويت نفسها في بعض الجوانب الاقتصادية، سواء بالثروات البشرية التي توفر أيدي عاملة رخيصة، أو بالثروات الطبيعية ومنها النفط، أو بمساحاتها الشاسعة المترامية الأطراف. لكن ما إن يفكر أحدنا في مشروع اقتصادي بنية جمع شمل هذه الدول، ويقوي بنيتها الاقتصادية في وجه اقتصادات قوية متعاظمة في المنطقة الآسيوية، كالاقتصاد الصيني والهندي والياباني والكوري والنمور الآسيوية وغيرها، برزت أمام مخيلتنا فكرة أطماع سياسية أو اقتصادية لدولة من دول منطقة الخليج في دولة أخرى، حتى وجدنا في فكرة التسليح ملاذاً آمناً لمواصلة البقاء، ونسينا أهمية الاقتصاد في حياة الشعوب، فتراجعت مشاريع التنمية على سلم الأولويات، وكأن الأمن والأمان لا يكمنان في توفير لقمة العيش اليومية للناس، أو كأن فقدان الخبز لا يؤدي دائماً إلى نشوء القلاقل والاضطرابات.

أقول هذا بعد أن قرأت عناوين اللقاء الذي جرى بين رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ورئيس غرفة تجارة وصناعة الكويت محمد جاسم الصقر يوم الأحد الماضي، ونشرته جريدة «الجريدة»، والذي قال فيه الضيف العراقي، إنه «يعمل على تسهيل التجارة البينية»، وإنه يعمل على «رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين»، وإنه جاهز «لتذليل أي مشاكل تواجه المستثمرين الكويتيين، ويعمل على توفير بيئة آمنة لهم»، وإنه «يحتاج من الكويت أن تسهل سمات دخول رجال أعمال عراقيين لزيارة الكويت». وهو ما يعني أن هناك معوقات تعرقل انسيابية التجارة بين العراق والكويت، وأن هذا التبادل التجاري لم يصل إلى طموحات الشعبين في تطوير العلاقات الثنائية، إلا أنه ولله الحمد، يقابل كل هذه الأمنيات الاقتصادية إصرار كويتي على مد يد التعاون الاقتصادي لكل دول الجوار، فأبواب المؤسسات الاقتصادية مشرعة للدفع في اتجاه الشراكة ودعم التنمية لوجود فرص استثمارية واعدة، إلا أنها بحاجة إلى قرار جريء يحرك صدق النوايا الاقتصادية المنضوية خوفاً من الانعطافات السياسية المفاجئة التي تتسيد أحياناً مواقف السياسيين فتتغلب على الضرورات الاقتصادية.

دول التحالف الغربي التي لا يجمعها دين ولا لغة ولا عادات ولا تقاليد، دمرت أوروبا وجعلت كبرى مدنها حطاماً بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ثم بعد سنوات معدودة أعاد مشروع مارشال الحياة إلى أوروبا لتكون الحليف الأقوى لواشنطن.

أميركا نفسها ألقت قنبلتين نوويتين على اليابان التي أعلنت استسلامها في عام 1945، ثم بعد أقل من عقدين من الزمن كانت الولايات المتحدة تصدر البرتقال إلى اليابان، لتقوم الأخيرة بإعادته عصيراً إلى أميركا.

هذه الدول الغربية المتحاربة اتحدت اقتصادياً لتواصل مسيرة الحياة، وفي منطقتنا التي يجمعها الدين واللغة والعادات والتقاليد، لم تحقق الحد الأدنى من الاكتفاء الذاتي ولا التكامل الاقتصادي، رغم غزارة الثروات الطبيعية، بسبب غلبة السياسة على الاقتصاد.

● يوسف عبدالكريم الزنكوي