أهدى الكاتب محمد يعقوب إسحاق إليّ كتاباً عنوانه "التنوير في رسائل أحمد زكي يماني"، فاستوقفتني رسالته عن المرأة، إذ ذكر العصر الجاهلي، وكيف كان الرجل إذا بُشر بأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم، ويتوارى من الناس خجلاً من العار الذي حَلَّ به، ولا يخلصه منه إلا أن يدسها في التراب وهي حية، لتموت أبشع ميتة، ليثبت أنه لا ينتمي إلى بني الإنسانية، إذ بفعلته تلك أصبح أحقر من حيوان... فإذا نجت المسكينة من الموت المبكر، فغالباً ما تعيش كسقط المتاع، وظيفتها تفريخ الأولاد، وهي محرومة من أبسط الحقوق الإنسانية.

***

Ad

• جاء الإسلام ليحدث ثورة عارمة في المفاهيم السابقة عليه، إذ أُسست أول دولة في مجتمع المدينة بقيادة نبي الرحمة، فكانت المرأة تمارس حياتها إلى جانب الرجل، وتحضر مجالس العلم في المسجد النبوي، وتصلي مع الجماعة، وتسمع أحاديث الرسول الكريم وتروي عنه، وكانت تجاهد، وكان عدد اللاتي شاركن في غزوة الخندق خمس عشرة امرأة، كما كان لها نشاط سياسي حينما هاجرت إلى الحبشة، وكانت تعمل في التجارة، وتشارك بفعالية في النشاط الاجتماعي، كأم شريك الأنصارية، التي كانت كثيرة الضيفان.

***

• ولم يكن النقاب معروفاً، رغم أن جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة يرون عدم غطاء وجه المرأة أثناء الإحرام، وانعقد على ذلك الإجماع، فلو كان وجهها عورة لما كان الحُكم بذلك... وهنا يعلق- د. يماني: "يحس الواحد منا أن هناك خطة- غير رسمية- تقضي بتحجيم دور المرأة في الحياة العامة، حتى ينحصر نشاطها في أن تكون حبيسة البيت لتتفرغ لإنجاب الأطفال... ويدهشنا كيف تغلغلت أفكار قبلية من هذا النوع إلى بعض عقول بناتنا فاقتنعن بها بعدما لبسن ثياباً من أحاديث ضعيفة، أو موضوعة".

***

ومن ضمن ما جاء في رسالة د. يماني، عن نشاط المرأة في مكة المكرمة، وما عاصره هو بنفسه... أن النساء في ليلة العاشر من ذي الحجة في كل عام، كن يرتدين الملابس المُبهجة، ويطُفن في شوارع وأزقة المدينة المقدسة، ويضربن الدفوف، ويغنين، وتُخلى لهن الشوارع. إن مثل هذه القصص تبدو غريبة على أسماع بناتنا في سن العشرين والثلاثين، كأنها من الأساطير، بينما هي من الواقع الذي عشناه، وشاهدناه، ونحن ننظر إلى هذا النشاط النسائي على أنه يمثل الثقة بإحياء المرأة لهذا التراث القديم، لأن النساء فيه يرددن كلاماً، يلوم الرجل الذي لا يقوم بواجبات الحج والحجيج... ونحن ضد الانحلال والانحراف، ولكننا أيضاً نحذر من التشدد الذي لا ينتمي إلى روح إسلامنا وجوهره، مما يدفع بعض فتياتنا إلى أمورٍ نحن لا نريدها لهن في المغالاة التي أخذ بعضهن التمسك بها.

***

• احتوى كتاب "التنوير في رسائل أحمد زكي يماني" على الكثير من القصص والموضوعات، ولكنني اخترت هذه الرسالة، لأنها ذكرت هذا المهرجان السنوي الذي كانت نساء مكة المكرمة يخرُجن فيه يضربن الدفوف، ويغنين في شوارعها وأزقتها، وقد شهد ذلك بنفسه.

كاتب