نشكو المظلمات، ونطالب بالعدل، وننتقد الأوضاع والتشريعات والإجراءات، هذا كله حق وواجب، رفض الظلم وقول الحق والسعي للتغيير للأفضل مسؤوليتنا «إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ»، ولا نكون سلبيين «كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ»، وما نشكو منه إما منكر يجب النهي عنه أو معروف يجب تأييده «ولا معروف أعرف من العدل ولا منكر أنكر من الظلم» لكن كل ذلك ينبغي أن يتم وفق الأساليب المشروعة ودون خروج على القانون أو النظام، فالغايات المشروعة تتطلب وسائل مشروعة وإلا كانت الفتنة والفوضى.

ما حصل في قطر أن قانوناً للجنسية القطرية صدر عام 2005 نص في مادته (الأولى) على أن القطريين أساساً هم:

Ad

1 - المتوطنون في قطر قبل عام 1930 وحافظوا على إقامتهم فيها حتى تاريخ العمل بقانون الجنسية 2/1961.

2 - من ثبت أنه من أصول قطرية.

3 - من ولد في قطر أو في الخارج لأب قطري (بموجب البنود السابقة).

جاء هذا القانون بديلا لقانون الجنسية القطرية 2/1961، ورتب تغييرا في المراكز القانونية لحاملي الجنسية القطرية في ظل القانون السابق، إذ قرر في المادة (1) أن التجنيس حق سيادي للدولة لا ينازع فيه ولا معقب عليها، وحدد شروط منحه لطالبه (إقامة مستمرة 25 سنة، له وسيلة رزق مشروعة، حسن السيرة، إلمام باللغة العربية).

وهي شروط متفقة مع المبادئ العالمية، لكن نص فقرة (4) جاء ليقرر «ويعتبر قطريا بالتجنس من ولد في قطر أو في الخارج لأب قطري بالتجنس»، ليؤبد التجنيس في سلالة المجنس، نص لا نظير له في كافة قوانين العالم.

وأصبح القطري صنفين:

1 - أصلي: يتمتع بكامل الحقوق المدنية والسياسية (تصويتاً وترشيحاً وتوزيراً).

2 - مجنس: يتمتع بكامل الحقوق المدنية دون السياسية.

حرمان المجنس من ممارسة الحقوق السياسية لفترة معمول به في كافة القوانين ويتقبله الأب المجنس بغير غضاضة لكن استمرار الحرمان في ذريته يضاعف الإحساس بالمرارة لديه، وخصوصا أنه كان قبل مواطناً كامل الحقوق وشارك مع إخوانه القطريين الاستفتاء على الدستور (29 أبريل 2003) الذي حظي بموافقة الغالبية العظمى للقطريين.

الدستور القطري نص على إنشاء مجلس للشورى كامل السلطات تشريعاً ورقابة، من (45) عضواً. يتم انتخاب (30) عن طريق الاقتراع العام السري المباشر ويعين الأمير الأعضاء الـ(15) من الوزراء أو غيرهم المادتان (76 و77) طبقاً لقانون انتخابات تحدد فيه شروط وإجراءات الترشيح المادة (78).

لقد ظل تفعيل هذه المواد مؤجلاً 15 عاما، ورأى سمو أميرنا أنه آن أوان تفعيل الاستحقاق الدستوري، فأمر باتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذه، فصدر قانون للانتخابات حدد شروط وإجراءات التصويت والترشيح مستمد من قانون الجنسية الذي يحصر الحقوق السياسية على الأصليين دون المجنسين.

ورغم أن سمو أميرنا، حفظه الله، بحسن تبصره وسبقه للأحداث أصدر مرسوما (7/29) قيد التأبيد، ومنح المتجنس المولود جده في قطر حق التصويت، كما فتحت اللجنة المنظمة باب التظلم من القانون ومددته أسبوعين فإن كل ذلك لم يحقق طموحات مكونات مجتمعية تعد أكثرية، خاصة قبيلة المرة التي رأت أحقيتها بالمشاركة، فتنادى فئة منها قليلة للاعتصام احتجاجا على قانون الانتخابات الذي استبعدهم.

ورغم أن هذا الاعتصام غير المسبوق في تاريخ قطر، لم يدم إلا أياماً معدودة، وظل حدثاً معزولاً لم يلق تجاوبا مجتمعياً، ضخم خارجياً عبر مقاطع فيديو أظهرت تجاوزات بعضهم الأعراف والقانون إلا أن حكومتنا الرشيدة آثرت الحكمة وعالجت الموقف بالحسنى، وتم فض الاعتصام دون عنف ولا دم بحمد الله، ليسجل لقيادتنا حسن إدارتها للحدث.

اليوم: الإجراءات التنفيذية قطعت شوطاً، تم الانتهاء من مرحلة تسجيل الناخبين وتحديد دوائرهم إلكترونياً وتلقي التظلمات، تليها مرحلة فرز المرشحين، وصولاً لانتخابات أكتوبر بإذن الله.

أخيراً: المطالبات بتعديل قانون الجنسية محقة، وهناك تفهم لدى قيادتنا لها، والآمال على المجلس الجديد إجراء تعديل يمنح جميع القطريين أبناء المجنسين حق المشاركة.

* كاتب قطري

● د. عبدالحميد الأنصاري