منذ عقود من الزمن والكويت بحكوماتها المتعاقبة، وبسبب حياديتها المفرطة، قبلت على نفسها أن تكون مكباً للنفايات السياسية منذ خمسينيات القرن الماضي، حتى صارت في وقت من الأوقات ساحة اقتتال بين تنظيمات وأحزاب سياسية، خصوصاً إذا ما استذكرنا عملية اغتيال نائب الرئيس العراقي حردان التكريتي في الكويت أمام المستشفى الأميري في وضح النهار في مارس 1971، على يد أعوان المقبور صدام حسين، الذي كان يصفي منافسيه على السلطة في العراق، دون أن نتجاهل التدخلات السافرة للنظام العراقي ومنظمة التحرير الفلسطينية في الشأن الكويتي الداخلي آنذاك بعد أن وصل عدد المقيمين الفلسطينيين في الكويت إلى أكثر من 450 ألف، ولا نستطيع أن ننسى حقبة مغادرة الإخوان المسلمين مصر إبان حكم الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، ولا حقبة المجاهدين الأفغان بعد عودتهم من أفغانستان، حتى وصلنا إلى ما أطلق عليهم التائبون من المقاتلين في سورية والعراق خلال الفترة من 2015 حتى 2019، ولا أدري إن كان قد فاتني أن أذكر آخرين من المقاتلين أو الثوار أو الانقلابيين– سمهم ما شئت– من الذين وجدوا في أرض الكويت الوادعة ملاذاً آمناً.

اليوم وبعد أن تحولت الكويت إلى سوق رائجة لتجار الإقامات، بعد أن رموا بعشرات الألوف من الوافدين في الشارع، فتضاعف عدد سكان الكويت ثلاث مرات، الأمر الذي تسبب في تدمير البنية التحتية من المجاري الصحية والطرق وتدني مستوى الخدمات التعليمية والصحية، وتراجعت الكويت على قائمة مستويات التنافسية لتحتل ذيل هذه القائمة في كثير من المجالات الحيوية. أقول إنه وبعد كل هذا التحول الـ«ميلو درامي» في أوضاع الكويت والكويتيين، إذا ما قارناها بفترة ما قبل الغزو العراقي الآثم، يأتينا من يريد أن يكب نفاياته السياسية في الكويت، فمنذ عدة أسابيع والحكومة الأميركية تحاول مع الكويت، وليس مع أي دولة أخرى أكبر من الكويت من حيث المساحة للقبول باستقبال مترجمين أفغان تعاونوا مع الأميركيين طوال العشرين سنة الماضية.

Ad

وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل: لماذا الكويت تحديداً وهي الصغيرة حجماً وتعاني الأمرين من مئات الآلاف من العمالة الهامشية، «ليش إحنا بالذات؟»، (WHY ME?) كما يقول الإنكليز، لماذا لم تتجه الولايات المتحدة الأميركية إلى أي دولة أخرى كبيرة بالمساحة والسكان يمكن لهذا العدد أن يضيع بينهم بدلاً من الاستجداء من الكويت أو غيرها؟ فكيف حملت الولايات المتحدة الأميركية التي مرت بتجارب مماثلة لما مرت به في أفغانستان، كحربها في فيتنام، على سبيل المثال لا الحصر، أعوانها الفيتناميين البوذيين إلى أميركا لينغمسوا هناك في المجتمع الأميركي؟ وهل صار المهاجرون الفيتناميون شوكة في خاصرة واشنطن فيما بعد، فاقتنعت الحكومة الأميركية بعدم جدوى إعادة هذه التجربة مع الأفغان المسلمين على أرض أميركية، خصوصاً أنها تعاني من الإسلامفوبيا في عدد من الولايات الأميركية منذ سنوات؟

السؤال الأهم: ألم تستفد الإدارات الأميركية طوال العقود الماضية من هذه التجارب، وهي التي تملك قواعد عسكرية في مختلف أرجاء المعمورة، ليكون لديها التخطيط المسبق لمثل هذا اليوم بفترة غير قصيرة، بدلاً من الربكة التي خلقتها بشأن إيواء هذا العدد الضخم من الأفغان في الكويت الصغيرة الحجم، وليس في أي دولة أخرى؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟ وللحديث بقية.

● يوسف عبدالكريم الزنكوي