منذ الانتخابات المزورة التي شهدتها بيلاروسيا في أغسطس الماضي وأطلقت تظاهرات حاشدة في أنحاء البلد، اعتقل ألكسندر لوكاشينكو، الدكتاتور الذي يحكم بيلاروسيا منذ ثلاثة عقود، 35 ألف مواطن على الأقل، علماً أن عدداً كبيراً منهم كان قد عاش حياته كلها خارج معترك السياسة، لكن في بيلاروسيا اليوم، لم يعد البقاء خارج السياسة خياراً ممكناً، إذ اتّضح هذا الواقع حين تعرضت العداءة الأولمبية كريستسينا تسيمانوسكايا لتهديدات بالعقوبات لأنها انتقدت إدارة فريقها واضطرت لطلب اللجوء السياسي لتجنب اضطهادها في وطنها.

كيف يستطيع رجل واحد وصل إلى السلطة منذ عام 1994 ويدير بلداً صغيراً يخلو من أي موارد طبيعية إحداث هذه الفوضى كلها؟ ما كان هذا الوضع ليصبح ممكناً لو لم يحصل لوكاشينكو على دعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأكثر نفوذاً منه، إذ يُعتبر دعمه المالي وتأييده أساسيَين لزيادة جرأة لوكاشينكو الذي يكثف على ما يبدو حملته المعادية للغرب لاسترضاء بوتين.

Ad

بعد زيارة زعيمة المعارضة البيلاروسية، سفياتلانا تسيخانوسكايا، إلى الولايات المتحدة في شهر يوليو الماضي، ظهرت وعود بزيادة العقوبات الأميركية، لكن يُفترض أن تصدر هذه العقوبات من دون تأخير، ويجب أن يستهدف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مجموعة إضافية من المسؤولين عن حملة الاضطهاد المحلية ومرتكبي القمع في الخارج بطلبٍ من النظام، لا سيما في دول الاتحاد الأوروبي. لا يظن الجميع أن العقوبات هي الآلية الأكثر فاعلية، لكن يُجمِع النقاد أيضاً على العواقب التي تعطيها هذه المقاربة.

بما أن لوكاشينكو سيعمد حتماً إلى خنق ما تبقى من المجتمع المدني ويحاول تنفيذ حملات قمعية في الخارج في حال فرض العقوبات عليه، يجب أن يستعد الغرب لدعم الجماعات البيلاروسية المتوسعة في المنفى وتسهيل هربهم من الظروف غير المقبولة محلياً، فرغم تدخّل جيران بيلاروسيا وإيوائهم لآلاف الناس، يجب أن تنضم الولايات المتحدة إلى الدول الأوروبية عبر الترحيب بالمنفيين البيلاروس وإصدار تأشيرات خاصة أو خلق فرص تعليمية إضافية للطلاب البيلاروس كي يدرسوا في الولايات المتحدة. لقد أصبحت مغادرة البلد وعبور الحدود عملية معقدة لأن بيلاروسيا باتت معزولة وتَقِلّ فيها الرحلات الجوية وتشهد حدودها تطورات غير متوقعة، ويجب أن يمتنع الغرب عن زيادة العقبات في طريق البيلاروس المحاصرين أصلاً، علماً أن معظمهم يهربون من بلدهم على أمل العودة إليه حين يتحرر أخيراً.

على صعيد آخر، يجب أن يكثّف فاعلو الخير دعمهم لأعضاء المجتمع المدني البيلاروسي في المنفى من خلال مساعدتهم مثلاً على استرجاع المعدات التي خسروها خلال المداهمات أو تركوها وراءهم، فاليوم، لا يستحق الإعلاميون والناشطون البيلاروس الموجودون في الخارج الدعم فحسب، بل يحتاجون أيضاً إلى حماية جسدية وتكثيف التدابير الأمنية من حولهم في الدول التي تستضيفهم، وقد اتضحت هذه الحاجات بعد مقتل فيتالي شيشوف المأساوي في أوكرانيا، ومن الواضح أن نظام لوكاشينكو يتخبط ولا بد من وقف جميع محاولاته لإثبات نفوذه خارج حدود البلد، ويجب أن تتعامل أوروبا مع سلامة المنفيين البيلاروس بجدية إضافية، حتى لو اقتصر السبب على منع الحكام المستبدين الآخرين من التصرف بالشكل نفسه.

من الضروري أيضاً ألا يخوض الغرب أي مفاوضات مع هذا النظام وألا يقدم له التنازلات، إذ من المتوقع أن يحاول لوكاشينكو استغلال أزمة الحدود وارتفاع عدد المعتقلين السياسيين بدرجة استثنائية (610 معتقلين بدءاً من 6 أغسطس، ويشهد هذا العدد نمواً مستمراً بمعدل عشرة أشخاص أسبوعياً) لدفع الاتحاد الأوروبي إلى رفع العقوبات كما فعل في الماضي.

من المعروف أن البيروقراطيات الغربية تحتاج إلى الوقت قبل أن تبدأ بالتحرك، لكن لا يستطيع سكان بيلاروسيا أن ينتظروا طويلاً، يجب أن يتحرك الغرب سريعاً، قبل أن يتأذى المزيد من الناس أو يتعرضوا للقتل، وقبل أن تتضرر مصداقية الديمقراطية بدرجة مضاعفة.

● تاتيانا مارغولين - جاست سيكورتي