يبدو من نافل القول الإشارة إلى أن شركات هوليوود العملاقة، نهضت وتنهض في أفلامها على موضوعين أساسيين هما: الجنس والعنف، وما يأتي مخالفاً لذلك لا يكاد يحضر، وقد يمرّ مرور الكرام، دون أن يشعر به أحد. ويمكن بسهولة رصد ذلك عبر جوائز الأوسكار العالمية، والتي غدت حدثاً بشرياً تتنافس كبرى المحطات الفضائية على بثّه حياً في ليلة انعقاده.

ما ترتب على ترويج هوليوود لمشاهد الجنس الفاضحة والتي يُقال عنها بتلطّف "مشاهد حميمية"، أن جرعاتها صارت، مع مرور الزمن، تزداد في جراءتها وتمددها على مساحة أطول في الفيلم، وهذا ما سرى بشكل إرادي وغير إرادي إلى وعي المشاهد، بحيث تدرّج قبول المشاهدين حول العالم لمشاهد القُبلة، والقبّلة الملتهبة، والصدر العاري عبر غلالة الستائر، وعبر اللقطة المتحركة، إلى مشاهد الصدر الأنثوي العاري تماماً، وفي مشاهد متعددة، وأخيراً من الإيحاء بممارسة الجنس، إلى ممارسة الجنس، باعتبارها جزءاً أساسياً من حبكة الفيلم.

Ad

بمرور السنوات، وبزيادة عدد دور السينما، وهيمنة التلفزيون على أجواء الأسرة، نشأت أجيال اعتادت مشاهدته والعبور على مشاهد الجنس، وأخطر ما في هذا الأمر هو انتقال جراءة تلك المشاهد إلى وعي هذه الأجيال، بحيث تعتقد وتعتنق وتمارس الجراءة الممجوجة والمُدانة بوصفها العادي، على اعتبار أنها لا تخل بالآداب.

قد ينبري قارئ ليقول إنني أنادي بالحجر، وأنادي بتقتير الحرية، لكن الصحيح أن الأمر لا علاقة له بالحجر ولا بالحرية، فأنا ككاتب، ومنذ ما يزيد على الأربعين عاما، كنتُ وما زلت أنادي بإعطاء الحرية، كل الحرية، للكاتب والفنان للتعبير عما يجول في خاطرهما، وبما يُدين ممارسات الواقع غير العادلة واللاإنسانية، والمناداة بالعدالة والخير والسلامة والحب، وهذا مجتمع لا علاقة له بممثِّلة تمشي عارية وبكل بساطة، وبما يبسّط المشهد ويسوّقه وكأنه الشأن الإنساني العادي!

هذا الوضع المنتشر والمتفاقم جاءت السيدة "كورونا" لتقدّم له دعماً ما كان يحلم به، فهي إذا كانت حبست العالم، وسجنت البشر في بيوتهم وأماكن إقاماتهم، كما لم يسبق لأي حدث بشري، فإنها من ناحية أخرى فرضت عليهم الجلوس أمام شاشات التلفزيونات لساعات وساعات، وكأن التسلية التلفزيونية هي المخرج الوحيد لتعويض الوصل الإنساني المفقود. وسرعان ما تلقّفت شركات الإنتاج التلفزيونية العملاقة هذا التكدّس أمام شاشات التلفزيون لتسخّره لخدمة مشاريعها ماليا، وليس كالجنس والعنف مروجات عالية الجودة، وقادرة على جذب مزيد من جمهور المشاهدين في كل مكان!

نعم، لقد كانت "كورونا" هبة خيرٍ أمطرت بها السماء لشركات الإنتاج التلفزيوني خلال العامين الفائتين، وبما جعل من منصة مثل "نتفليكس-Netflix" واحدة من أكثر منصات التلفزيون مشاهدة، ودفع بها لأن تكون منتجة لأعمال تلفزيونية غزت العالم، وأصبحت على كل لسان، وما يجمع بين كل ما أنتجه نتفليكس خلال السنتين الماضيتين، هو أنها اعتمدت في انتاجها الدرامي على الترويج للموضوعين أعلاه: الجنس والعنف!

تبسيط موضوع الجنس ليكون غريزة حيوانية يمارسها البشر للحظات متعة عابرة، وبقدر ما يشوّه من عظمتها بوصفها الفعل الإنساني الأهم لاستمرار الجنس البشري، فإنه يغرس في أذهان أجيال من الأطفال والناشئة فهماً مغلوطاً لما يمكن أن تكون عليه علاقتهم بالآخر. وربما هذا الخطر الكبير، يهون أمام اتجاه شركات هوليوود العملاقة ومعها بعض منصات التلفزيون للمتاجرة بالجنس المثلي. فبالنسبة للراصد فإنه يرى وبما لا يدع مجالاً للشك التوجه الخبيث الجديد، وهو الانتقال بمشاهد الجنس من كونها بين رجل وامرأة لتكون بين رجل ورجل أو بين سيدة وأخرى!

وإذا كان البعض يتقزز من هذه المشاهد بوصفها الممارسة الأرذل، فإن لشركات الإنتاج السينمائي والتلفزيوني رأياً مختلفا، رأياً يعمل ما بوسعه لنشر ثقافة جديدة تتقبل هذا النشاز، وهذا الانحراف، تحت مسمى الحرية المثلية، وتحت مسمى حرية الممارسة الإنسانية!

نحن في عالم يعجّ بعنف يومي أعمى، وللأسف يعجّ أكثر بممارسة فنية لا إنسانية ومخيفة!

طالب الرفاعي