رئيس الوزراء يحمل على كاهله كل الوزارات والجهات الحكومية والجهات الملحقة والمستقلة، والوزير يحمل على أكتافه وزارة أو عدة وزارات بقطاعاتها وإداراتها وعشرات الآلاف من موظفيها بكل مشكلاتهم في ظل تضخم وظيفي وضغوط الواسطات وانعدام معايير تقييم الأداء وتسيّد المحسوبيات، أي بشر مهما كانت طاقته لا يملك القدرة على إدارة هذه الجهات الحكومية المترامية الأطراف.

وزير الصحة له نصيب الأسد من هذه الأحمال ليس في عدد الموظفين وإدارات الوزارة ووحداتها التنظيمية فقط، بل بما هو أضخم وأعقد إنها المستشفيات والمراكز الصحية والمستوصفات والمستودعات وإدارة عمليات الشراء الضخمة من معدات وأجهزة وأدوية ومواد وتطوير أنظمة وتخزين وإدارة بيانات المرضى.

Ad

كما قلنا في مقال سابق إن حالة الوزراء ومأساتهم تتشابه مع مأساة سيزيف في الميثولوجيا (الأسطورة) اليونانية إنه رجل فائق الخداع، كان مقرباً من كبير الآلهة زيوس وموضع ثقته، ويعرف كل أسراره، وفكر في إزاحة زيوس ليحل محله فأخبر إله النهر بأن زيوس على علاقة غير شرعية بابنته ليثيره ضده، فعاقبه زيوس بالجحيم الذي شكل رعباً بالنسبة إليه، إلا أنه خدع إله الموت وفرَّ من الجحيم، فعاقبه زيوس بأن يحمل صخرة إلى قمة الجبل، إلا أنه ما إن يقترب من القمة حتى تتدحرج الصخرة إلى أسفل الجبل فيعاود الصعود بها إلى القمة مرة أخرى، وهكذا دَوالَيْك إلى الأبد.

تخيلوا معي لو أن وزارة الصحة خصخصت كل المستشفيات والمراكز الصحية، وأصبحت كما في الدول المتقدمة تحت إدارة القطاع الخاص بأفضل صيغة وأمثل الشروط، سيدير وزير الصحة بضعة مئات من الموظفين وينهمك في المتابعة والرصد والتقييم للخدمات الصحية التي يقدمها القطاع الخاص من خلال مدى التزامها بمواصفات الخدمات الصحية وفق المعايير العالمية لضمان جودة وتطور هذه الخدمات في ضوء برنامج عمل يتضمن تحقيق أهداف محكومة بمعايير كمية وزمنية، وقس على ذلك بقية الوزارات التي قد يتضمن بعضها بعد الترشيق عشرات الموظفين فقط.

بهذا سيتم ترشيد وترشيق الجسد الحكومي المتورم والمتضخم والمتشتت، خصوصاً في ظل انعدام الخطط والبرامج، فلا عجب أن تكون الخدمات الصحية والتعليمية، والإسكانية، وخدمات البريد والهاتف الثابت، والمواصلات، والموانئ والأشغال وتنفيذ المشروعات والأمن وأمان المرور في مستواها الحالي الذي تتفوق علينا فيه دول الخليج العربي بمراحل.

في ظل جسد حكومي رشيق كما أسلفنا سيقال لكل وزير حقق الأهداف المطلوبة منك كماً وزمناً أو غادر الوزارة طبعا في ظل ميزانية خفيفة قد تبلغ نصف الموازنة الحالية، معظمها في شكل دعم لموظفي القطاع الخاص الذي سيهضم الأغلبية الساحقة من الموظفين، وتكاليف التأمين الصحي داخلياً وخارجياً، وتكاليف رسوم الدراسة، وتوزيع الدعم النقدي للمواطنين و25% سنويا من صافي أرباح الصناديق السيادية، راجع مقالنا بتاريخ 25/6/2021 في «الجريدة».

وسيقال لوزير الصحة عليك تخفيض عدد الإصابات اليومية ورفع حالات الشفاء بنسبة كذا وكذا خلال المدة الفلانية بعد دراسة حالات وتجارب الدول الأخرى، مثال دولة البحرين التي ضربتها موجة السلالة الهندية دلتا فتعافت منها خلال مدة وجيزة بفضل إجراءات ذكية وصارمة فبلغت يوم الاثنين 2/8/2021 (صفر) إصابة في حين كانت قبل شهر 405 إصابات.

قس على ذلك وزير التربية والإسكان والمواصلات والاتصالات والتجارة والداخلية كل منهم يتأبط المطلوب منه من أهداف إن لم تفوق في معاييرها الكمية ومواصفاتها دول الجوار فإنها تكون مطابقة لأفضلها.

ناجي الملا