حذر الرئيس التونسي قيس سعيد من دعوة زعيم حركة "النهضة" الإسلامية راشد الغنوشي رئيس البرلمان المجمد، إلى النزول في الشارع، مؤكداً في الوقت نفسه أنه لن يتحول أبداً إلى ديكتاتور جديد.

وقال سعيد، لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية: "تونس رغم الأزمة التي تعيشها تعمل على ضمان الحقوق والحريات، وما تم هو جزء من الدستور، وليس من خارجه، حرية التعبير مضمونة ولا مساس بالحريات، أعلم النصوص الدستورية جيداً وأحترمها ودرستها، ولن أتحول بعد هذه المدة كلها إلى ديكتاتور".

Ad

توقيف واعتقال

إلى ذلك، وضعت قوات الأمن أمس تحت الإقامة الجبرية القاضي بشير العكرمي، الذي تتهمه جماعات حقوقية بأنه قريب من حزب "النهضة وينسق مع قياداته للتستر على ملفات مهمة، من بينها اغتيال المعارضين العلمانيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي في 2013.

وكانت السلطات الأمنية أوقفت أمس الأول النائبين عن "ائتلاف الكرامة" ماهر زيد ورئيس حركة "أمل وعمل" ياسين العياري، كما حقق القضاء مع 4 من منتسبي "النهضة" بدعوى ارتكاب أعمال عنف الاثنين الماضي أثناء احتجاج على قرارات حل الحكومة وتجميد البرلمان 30 يوماً.

ولاحقاً، أعلن القضاء العسكري أن العياري، الذي يعد من أشد منقدي سياسات سعيد وقراراته، سيقضي عقوبة السجن لمدة شهرين بتهمة "الإضرار والحط من معنويات الجيش"، مؤكدة أن هذا الحكم تم تأييده في 2018 بقرار من محكمة التعقيب".

من ناحيتها، قالت محامية النائب البرلماني المعتقل ماهر زيد إن موكلها دخل في إضراب عن الطعام احتجاجا على اعتقاله.

تهديدات الغنوشي

وبعد اشارات متضاربة من "النهضة" حول لعب ورقة الشارع، هدد الغنوشي، في حوار مع صحيفة "إلكورييري ديلا سيرا" الإيطالية، بأنه إن لم يكن هناك اتفاق بشأن الحكومة المقبلة، فإنه سيدعو الشارع لـ "الدفاع عن ديموقراطيته، ورفع الأقفال عن البرلمان".

وفي مقال في صحيفة "نيويورك تايمز"، شدد الغنوشي على أن "تونس لا يمكن أن تعود للدكتاتورية"، زاعماً أن سعيد "يسعى إلى قلب نتائج عقد كامل من العمل الشاق من أجل الإصلاحات الديموقراطية وتمزيق دستور 2014".

وكتب الغنوشي أن "حكم الفرد الواحد ليس الحل للمشاكل الاقتصادية".

«شباب النهضة»

ووسط استقالات وانقسامات ومواقف مرتبكة تخرج عن "النهضة"، طالب شباب الحركة، في بيان نادر تحت عنوان "تصحيح المسار"، قيادتهم بحل المكتب التنفيذي وتحمل مسؤولية الفشل في تحقيق مطالب الشعب وتفهم حالة الاحتقان والغليان، مطالبين الغنوشي بتغليب مصلحة تونس.

وقال 130 شاباً بينهم عدد من النواب، إن "تونس تمر بمنعطف تاريخي أفضى إلى اتخاذ الرئيس إجراءات استثنائية، قوبلت بترحيب شعبي كما أثارت تحفظ جزء من النخبة السياسية والقانونية، وهذه الوضعية الحرجة، والتي لا يخفى على أحد منا أن حزبنا كان عنصرا أساسيا فيها، تضعنا أمام حتمية المرور إلى خيارات موجعة لا مفر منها، سواء كان ذلك من منطلق تحمل المسؤولية وتجنب أخطاء الماضي، أو استجابة للضغط الشعبي".

وتابع البيان أنه "رغبة منا في الدفع نحو ما نراه مخرجاً لبلادنا نحو حلول ناجعة، بعيداً عن الآليات المعتمدة سابقاً التي لا يمكن، إلا أن تنتج سياسات وخيارات بنفس رداءة سابقاتها".

تنازلات الحركة

ومع تصاعد غضب التونسيين من أدائها، أبدت الحركة أمس استعدادها لتقديم "كل التضحيات والتنازلات اللازمة للعودة السريعة للعمل الطبيعي للمؤسسات"، داعية سعيد لـ "فسح المجال لحوار لا يقصي أحداً ويلتزم الجميع بمخرجاته".

وأورد بيان صادر أمس عن اجتماع أجراه المكتب التنفيذي للحركة مساء الخميس سلسلة توصيات "تؤكد أن الاستفراد بالحكم يزيد في انتشار الفساد والمحسوبية والظلم والإجراءات الاستثنائية للرئيس خارقة للدستور والقانون، وفيها اعتداء صريح على مقتضيات الديموقراطية، وعلى الحقوق الفردية والمدنية وتوريط لمؤسسات الدولة في صراعات وتهدد بضرب الاستقرار والأمن الاجتماعي والاقتصادي".

ودعا القيادي في "النهضة" زبير الشهودي للتهدئة والحوار مع سعيد "حتى لو كان الثمن سياسياً"، ولم يستبعد أن اتخاذ قرارات "نوعية" بينها اختيار قيادة جديدة. وقال الشهودي: "تم وضع الحزب ومؤسساته تحت وقع الظرف الاستثنائي الذي تعيشه تونس".

أما القيادي في "النهضة" التونسية عبداللطيف مكي فقد أشار، في حوار مع وكالة الأناضول، إلى أن الحركة بدأت "مبادرة خفية" للخروج من الوضع الاستثنائي الحالي، مضيفا أن هناك تحركاً باتجاه حوار وطني لتجاوز هذا الوضع المتأزم.

واعتبر أن الأيام والأسابيع القليلة المقبلة "يجب أن تكون مرحلة بداية حوار بين مؤسسات الدّولة والأحزاب والمنظمات، لترتيب العودة للحياة الطبيعية والمسار الديموقراطي" مشيراً إلى أنه لا توجد قدرة على التّنبؤ بشأن ما ستذهب إليه البلاد.

ترجيحات بتشكيل حكومة غير سياسية

رجح الأمين العام لحزب "حركة الشعب"، القريب من الرئيس قيس سعيّد، تكوين حكومة خالية من السياسيين، تكون مهمتها الأولى إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية.

ويترقب الشارع في تونس تعيين الرئيس سعيد رئيس وزراء جديدا، وحكومة جديدة، في أعقاب إعلانه التدابير الاستثنائية في البلاد يوم الأحد الماضي.

وكان الرئيس قرر تجميد اختصاصات البرلمان، وإقالة حكومة هشام المشيشي، وتولى بنفسه السلطة التنفيذية بشكل كامل.

وستكون الحكومة مسؤولة أمام الرئيس مدة الوضع الاستثنائي خلال 30 يوما قابلة للتجديد، ولكن ليس واضحا حتى الآن نوايا الرئيس بشأن تركيبة الحكومة، وخريطة الطريق التي سيعتمدها في هذه المرحلة.

وقال الأمين العام لـ "حركة الشعب"، ورئيس كتلته البرلمانية، زهير المغزاوي، في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ): "نعتقد أنها لن تضم سياسيين. ليس لدينا اطلاع على ملامح الحكومة، ولكن إبطاء الرئيس سببه الحرص على اختيار الأفضل، الخطأ ممنوع في هذه المرحلة".

وأضاف المغزاوي: "من المرجح أنها ستكون حكومة كفاءات تقطع مع دوائر الفساد، وملمة بالواقع وتطلعات الشباب، وعليها إيجاد الحلول للأزمة الاقتصادية".

ويدعم الحزب فكرة حوار وطني مع المنظمات الوطنية والحزام السياسي للرئيس بشأن أولويات المرحلة وكيفية إنقاذ البلاد.

وقال المغزاوي: "نحن نتشارك مع الرئيس في قراراته منذ البداية، لتصحيح مسار الثورة، ومن المهم التشاور مع القوى الوطنية حول أولويات المرحلة".

وتعتبر حركة النهضة الاسلامية وحلفاؤها في البرلمان خطوة الرئيس سعيد انقلابا على الدستور، وهو ما ينفيه الرئيس في خطاباته، مشيرا إلى أنه طبق القانون بشكل كامل.

وقال رئيس الحركة والبرلمان، راشد الغنوشي، أمس، إن "أي حكومة يتم تعيينها أو رئيس وزراء يجب أن يحظى بمصادقة البرلمان، ليس هناك طريقة أخرى".