ليست لدي، ولله الحمد والمنة، أية اشتراطات خاصة في الأكل أو معاناة من حساسية تجاه أكلات معينة، فكان الله في عون من يعاني تلك الأعراض وخصوصا أصحاب الحساسية الشديدة جدا تجاه بعض مكونات الأطعمة الكويتية المعتادة، ولكني أستصعب هضم بعض الوجبات الدسمة ليلا رغم المتعة الكويتية الخالصة في العشاء الدسم المتأخر ومن ثم معاناة الهضم.

أستذكر هذا كله بعد عشاء يوم ليس ببعيد قدم فيه طبق «المرقوق» الشهير في الكويت، ومن بعد صراع شد وجذب بين المعدة وتدفق الدماء لهضمه، تذكرت أحداث المسرحية الشهيرة لجاليتش «سمك عسير الهضم»، وبدأت أرسم المفارقات واستوضحت النقاط المشتركة بين واقعنا الكويتي وواقع أحداث تلك المسرحية العالمية الشهيرة، والتي تدور أحداثها في زمن قياصرة الروم، وكيف شكلت الطبقات الشعبية «وجبة عسيرة الهضم» أمام الحلف الرأسمالي الطبقي المسيطر.

Ad

واقع الحال الآني في الكويت من الصعب جدا أن يتم تحديد معالمه، ومن الصعب حقا معرفة إن كان الشعب يعاني من «مرقوق» عسير الهضم أم هو نفسه (الشعب) يستطيع أن يشكل «مرقوق» عسير الهضم في نظر الحكومة لاسترداد حقوق له ومطالب إصلاحية فعلا، فتنظيم التحركات الشعبية، سواء كنت على المستوى الشخصي أتفق معها أم لا وخروجها في ساحة الإرادة، والأصوات المتعالية على منصات التواصل الاجتماعي، كلها أصبحت أموراً جدية وواضحة لكنها في الوقت الحالي تعتبر جهوداً مبعثرة في واقع حال مشوه غير واضح المعالم، فمن الضروري الآن أن يقوم الشعب والمجاميع النقابية والطلابية والقوى السياسية المدنية الفاعلة بتنتظيم عملية جدية لوضع مطالب واضحة وصريحة لتبدأ السلطات بأخذها على محمل جدي، ومن ثم تبدأ حرب السياسة الحقيقية.

ولكي لا يختلط الحابل بالنابل ويصبح «المرقوق» منقوص الملح والبهارات، من الواضح والجلي أني لا أرى أنه من المفيد عقد مؤتمرات وطنية الآن وفي التو واللحظة لأسباب عدة خارج إطار هذا المقال، لكنه من المهم أن يتم التوافق على مجموعة طلبات رئيسة يخرج الشعب ويتحرك على ضوئها دون أن تكون هناك أية شوائب بينها، فلا أعتقد الآن أنه يوجد شخص معترض من أي قوى مدنية وطنية على موضوع العفو الشامل أو رفع سقف الحريات من خلال تعديلات حقيقية جذرية للقوانين أو وضع حلول جادة لغلاء المعيشة، وأخيراً وليس آخراً، محاربة الفساد المستشري في البلاد وبشكل جدي مع وضع ضوابط حقيقية للمناصب القيادية في الدولة واشتراطات مهنية للتعينات كذلك.

الحاصل اليوم أن المطالبات مبعثرة وغير جادة وعلى استحياء، فتارة تخرج الناس لمناهضة التطعيم وإسقاط القروض من جهة، وتارة أخرى للعفو عن أشخاص دون الآخرين من جهة أخرى، وهذا كله يؤخذ من السلطات باستخفاف بسبب قلة التنظيم فيه والاستحياء في لغة المطالبة نفسها (أقول استحياء ولا أطالب بخفض مستوى الخطاب، وهناك فرق شاسع)، فالشعوب الحية تنتظم ومن ثم تثور على واقع حالها، والثورة هنا ليست تلك المقصودة ضد الأنظمة بل ثورة على واقع حال لاسترداد مطالبات وحقوق يراها الشارع مهمة جدا جدا.

من المهم أن نكون نحن طبق «المرقوق» وألا نكون ممن يعاني من «مرقوق» عسير الهضم على معدة الشعب.

د. سلطان ماجد السالم