فاز نجيب ميقاتي بالاستشارات النيابية، التي جرت في لبنان أمس، ليصبح رئيساً مكلفاً بتشكيل حكومة جديدة.

إنها المرة الثالثة التي يتولى فيها الرجل هذا المنصب، وقد اعتاد أن يأتي في الظروف الصعبة؛ ففي عام 2005 كانت تجربته الأولى، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فعمل على تشكيل حكومة انتقالية للإشراف على الانتخابات النيابية.

Ad

أما تجربته الثانية في 2011 فكانت تعبيراً عن خيار المواجهة، الذي اتخذه إلى جانب «حزب الله» و«التيار الوطني الحرّ»، أما الآن فيأتي في ظروف خطرة جداً على الصعد الاقتصادية والمالية والسياسية، مدعوماً من رؤساء الحكومة السابقين ومن تيار «المستقبل» و«حزب الله»، لكنه مرفوض من رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره جبران باسيل. إنها أخطر المراحل بالنسبة إلى ميقاتي، لأن لبنان على مشارف انهيار كبير يضاف إلى الانقسام الحاد القائم بين رؤساء الحكومة ورئيس الجمهورية.

ليس ميقاتي الشخصية الوحيدة، التي حظيت بدعم رؤساء الحكومة السابقين، بل سبقه مصطفى أديب وسعد الحريري، لكنهما اصطدما بشروط عون الصعبة فلم ينجحا بالتأليف واعتذرا.

وستكون مهمة ميقاتي محفوفة بمخاطر كثيرة، خصوصاً في ظل التباعد بالتوجهات والرؤى بينه وبين عون، اضافة الى احتمال تجدد الصراع على الصلاحيات بينه وبين رئيس الجمهورية، واستمرار الخلافات حول تقاسم الحقائب الوزارية، خصوصاً أن عون يتمسك بالمطالبة بوزارتي الداخلية والعدل، ويريد البدء بالتفاوض من حيث انتهى مع الحريري، وهو الأمر الذي يرفضه ميقاتي معتبراً أنه يريد انتهاج مسار جديد في التشكيل لتجاوز هذه العقبات، وانه لا يمكن أن يتخلى أو يتنازل عما يعتبره السنّة من حقهم.

وقبيل الاستشارات، أجرى ميقاتي سلسلة لقاءات لوضع أطر واسعة للاتفاق على التشكيلة، التي سيتقدم بها، فاجتمع برئيس مجلس النواب نبيه بري وسعد الحريري ووليد جنبلاط وجبران باسيل، بالإضافة إلى مستشار رئيس الجمهورية سليم جريصاتي، والمعاون السياسي لأمين عام «حزب الله»، حسين الخليل.

ونظراً الى القطيعة التي كانت مستحكمة بالعلاقة بين الحريري وباسيل، اكتسب لقاء ميقاتي وباسيل أهمية، واعتبر خطوة إيجابية بالنسبة إلى الطرفين، رغم ان باسيل أبلغ ميقاتي بأنه لن يسميه ولن يشارك في حكومته ولن يمنحها الثقة، وطلب منه أن يتفهم موقفه لأن هذا ما يقتضيه الوضع العام والحسابات السياسية، خصوصاً أن البلاد على مسافة أشهر من الانتخابات النيابية، أما اللقاء بين جريصاتي وميقاتي فقد تخلله بحث في كيفية تشكيل الحكومة والتعاون مع رئيس الجمهورية، الذي لا يزال يطالب بوزارتي العدل والداخلية وهو ما يرفضه ميقاتي بشكل كامل.

وتشير المعلومات إلى أن حزب الله لعب دوراً أساسياً في تسهيل الطريق أمام ميقاتي، وهو الذي دفع باسيل إلى التراجع عن تسمية نواف سلام، ورغم ان الحزب سمى ميقاتي في الاستشارات لكن مصادر بارزة لا تعول على إمكانية لعبه دوراً أساسياً يدفع عون وباسيل لتقديم تنازل جدي، خصوصاً أن المعركة تأخذ طابعاً سياسياً دستورياً وطائفياً أيضاً؛ فعون وفريقه يريدون استعادة صلاحيات رئاسة الجمهورية في عملية التأليف، وهو أمر يرفضه نادي رؤساء الحكومة الذين تبنوا خيار تكليف ميقاتي بشرط «الحفاظ على الدستور بعيداً عن البدع وإعادة الاعتبار إلى الثوابت».

من خلال هذا الشرط، حاول رؤساء الحكومة السابقين رسم مسار التأليف لميقاتي، وهو مسار سيحاول عون أن يكسره، ما قد يؤدي إلى تكرار نفس السيناريو الذي حصل مع الحريري بعد تكليفه، إلا إذا عمل ميقاتي على تقديم تنازلات لعون ونجح بالتأليف، فحينها سينتقل الخلاف إلى داخل البيت الواحد، أي بينه وبين رؤساء الحكومة السابقين. وسيكون ميقاتي بين منزلتين، إما رئيساً مخلّصاً، أو ضحية جديدة لعون وباسيل.

تكليف ميقاتي ولد ارتياحاً معنوياً على الوضع المالي والاجتماعي، لكن أثره الإيجابي يبقى بحاجة ماسة إلى أن يقرن بتأليف سريع، أما بحال تأخر الإنجاز أو عاد ميقاتي واعتذر، فإن الوضع سيتجه إلى أسوأ مما كان عليه قبل تكليفه.

ورغم أن عملية تكليف ميقاتي رافقها ترحيب دولي واسع، فإن العبرة تبقى بالخواتيم.

ونال ميقاتي 72 صوتاً، بينهم نواب كتلة «حزب الله»، من أصل 115 نائباً شاركوا في الاستشارات النيابية الملزمة، وامتنع 42 نائبا عن التصويت، في حين حصل السفير نواف سلام على صوت واحد فقط. ومعظم النواب الذين امتنعوا عن التصويت من المسيحيين، إذ لم تقم كتلة «التيار الوطني الحر» أو كتلة «القوات» بتسمية أي مرشح.

وبعد تكليفه، قال ميقاتي، بعد اجتماعه مع الرئيس عون، في تصريح من قصر بعبدا: «أبلغني رئيس الجمهورية نتيجة ​الاستشارات النيابية​ الملزمة، وتم تكليفي بتشكيل الحكومة​ ​الجديدة»، شاكرا ​الرئيس عون​ وكل النواب «الذي سماني، ومن لم يسمني».

وأضاف: «أريد ثقة الشعب، ثقة كل رجل وسيدة، كل شاب وشابة... أنا ليس لدي عصا سحرية ولا أستطيع فعل العجائب، والمهمة صعبة، لكننا سننجح إذا تضافرت كل جهودنا بدون مناكفات ومهاترات واتهامات متبادلة».

وكشف أنه «لولا حصولي على الضمانات الخارجية لم أكن لأقبل هذا التكليف»، مضيفا: «أنا مطمئن... الوقت حان للحد من تمدد النار، وأنا متأكد أنه بالتعاون مع الرئيس سنشكل الحكومة المطلوبة التي يجب عليها تنفيذ المبادرة الفرنسية التي هي لمصلحة لبنان والاقتصاد اللبناني حتى ننشل هذا البلد من الانهيار، وأنا أخذت على عاتقي ألا أتحدث وخير الكلام ما قل ودل».

منير الربيع