غادر رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي إلى واشنطن، ليخوض مع الإدارة الأميركية الجولة الرابعة والأخيرة، مما يعرف بالحوار الاستراتيجي بين البلدين، وهي سلسلة لقاءات بدأت مع الإدارة السابقة في عهد دونالد ترامب، لإعادة تعريف الوجود العسكري الأميركي في العراق، وقد اختصرها الجانبان بمنح فرق عسكرية فنية صلاحيةَ وضع التوصيات، ومفادها أن العراق لا يحتاج إلى دعم من قوات أميركية مقاتلة، لكنه سيبقى عدة أعوام بحاجة إلى دعم فني واستشاري، خصوصاً لسلاح الطيران والمراقبة الجوية للحدود والتعاون الاستخباري، وهو ما ترفضه الفصائل الحليفة لطهران، والتي شنت هجوماً كلامياً قاسياً على الكاظمي ووصفته بالرئيس الغادر، حيث تطالب بانسحاب فوري لكل وجود عسكري للولايات المتحدة.

ويعرف الكاظمي بأنه يميل إلى التسويات بهدف التهدئة، وقد قال مراراً، في أعلى لحظات المواجهة مع الفصائل المسلحة، إن العراق لم يعد لديه قدرة على احتراب داخلي ونزيف دم إضافي، وإنه متمسك بالحوار الذي يطلب من واشنطن وطهران عدم تحويل البلاد إلى ميدان لتصفية الحسابات، كما يجري منذ أعوام.

Ad

لكن الكاظمي يدرك أن تهدئة الفصائل يجب ألا تكون على شكل انسحاب أميركي مفاجئ، كما جرى في أفغانستان، قد يشل قطعات عسكرية عراقية بالكامل لاعتمادها على أسلحة ومعلومات يتولى تأمينها وتشغيلها المستشارون الأميركيون، كما أن البلاد تحتاج إلى مهلة إضافية لتستعد لرحيل قوات التحالف الدولي، خصوصا قبيل انتخابات مقررة الخريف المقبل، ومرشحة للإلغاء، وظروف ما بعد الإلغاء من جدل حول عمر حكومة الكاظمي وشرعيتها السياسية.

ولا يبدو أن الفصائل مستعدة لهذا النوع من التهدئة، إذ تتواصل هجمات الطائرات المسيرة ضد البعثات الدبلوماسية والقواعد العسكرية، كما تتواصل عمليات اختطاف واغتيال الناشطين في حركة تشرين الاحتجاجية، على وقع قلق الفصائل من أن تمنى بخسارة فادحة في الانتخابات العامة، بعد أن فقدت تأييد القطاع الأوسع من الناخبين، الذين انحازوا للدولة ضد الميليشيات.

وشهدت الأيام الماضية إصراراً من زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، على مقاطعة الانتخابات، سبق وتزامن مع مواقف الحزب الشيوعي وحركة تشرين وقوى أخرى بشأن مقاطعة الاقتراع النيابي، مما يعني أن الكاظمي يواجه خطر الذهاب نحو الانتخابات بشرعية منقوصة وبمقاطعة واسعة، وقد يعني طعناً شاملاً في شرعية النتائج، سواء تفوق مرشحو الفصائل أو انخفض تمثيلهم في البرلمان المقبل.

وقال الصدر، قبيل انسحابه، إن استهداف الفصائل للمعسكرات الأميركية جاء بنتيجة عكسية، مؤكداً أن إدارة بايدن أبلغت بغداد بأنها ستزيد عناصرها القتالية بالآلاف، لحماية القواعد من الهجمات، بينما ذكر الحزب الشيوعي وقوى حراك تشرين أن الانسحاب من الانتخابات يأتي رداً على نفوذ الميليشيات الكبير على الأرض، والذي لن يسمح بجو تنافسي عادل بين الأحزاب.

وتحذر قوى سياسية عراقية من انسحاب عاجل للولايات المتحدة، لأنه بحسبهم سيمنح الفصائل دفعة معنوية كبيرة لبناء مزيد من النفوذ في العراق، خصوصاً أن الميليشيات تتحدث عما يحصل من انسحاب أميركي من أفغانستان، وتتوقع هدية من واشنطن تسمح بمزيد من السيطرة الميليشياوية على العراق، من طراز ما يتاح لحركة طالبان الأفغانية.

وتقول مصادر سياسية رفيعة إن القيادات العليا في بغداد بدأت تبحث إمكانية تأجيل الانتخابات، في ظل درجة الاستقطاب القصوى التي تشهدها البلاد، خصوصاً مع غياب اليقين في حوارات فيينا النووية بين واشنطن وطهران، وتأثير ذلك مباشرة على الوضع الميداني والسياسي في العراق.

محمد البصري