طالبان ميليشيات دينية مسلحة متمردة على حكومتها الشرعية تسعى إلى تكوين دولة دينية تطبق مفهومها للشريعة، فتقوم بعمليات تفجيرية وانتحارية تستهدف قوات الحكومة وغيرها من المدنيين، تحت مسمى (الجهاد).

طالبان إحدى نتاج المدارس الدينية المنتشرة في باكستان ذات التعليم الماضوي ذي المحتوى التعصبي الإقصائي للمرأة وللآخر الديني والمذهبي، مخلفات فكر الأسلاف الذي يرى العالم دارين: دار حرب ودار إسلام، لهذا تعادي طالبان دولتها لأنها علمانية تنفذ إملاءات الكفار (الغرب وأميركا).

Ad

قبل ربع قرن نجحت طالبان في الاستيلاء على السلطة وطرد الحكومة الشرعية وتنفيذ مشروعها الديني الانغلاقي وفرضه على الأفغان، لم يكن يخطر ببال أحد في حينها، أن حكم طالبان لن يستمر طويلاً، لأن كل الظروف في صفها، هناك الداعم الرئيس باكستان، واعتراف ومساندة دولتين خليجيتين، وتأييد واسع من رموز وزعماء وحركات إسلامية ممتدة على الساحة، رأت في دولة طالبان حلمها التاريخي في الدولة الدينية الصحيحة.

لكن خطيئة طالبان الكبرى أن وثقت بضيوفها العرب الذين وفدوا للجهاد معها ضد خصومها، ففتحت بلادها لهم يتخذونها معسكرات للتدريب والتجنيد، تحتضن المجاهدين من كل أنحاء العالم الإسلامي لتنفيذ مشروعهم العالمي (محاربة اليهود والصليبيين وعدوهم الأكبر أميركا الذي يحمي الأنظمة العربية) فكانت كارثة 11 سبتمبر التي ضربت أميركا في عقر دارها، وكان ما كان من انطلاق المارد الأميركي لضرب دولة طالبان وضيوفها وتدميرها وعودة الحكومة الشرعية في ظل الحماية الأميركية.

صحيح أن دولة طالبان ولت، وشرد ضيوفها، وتمت تصفية زعيمها، لكن الأفكار لا تموت، ولا يمكن القضاء عليها بقوة السلاح، يمكن تهميشها وتنحيتها عن قيادة المجتمع وشل فاعليتها عبر مواجهتها بأفكار مضادة تفككها وتبين ضلالتها.

ظن الأميركيون أنهم قضوا على طالبان، وأمنوا الأفغان وحكومتهم، هذا صحيح لكن الفكر الطالباني بقي ووجد مناخاً مواتياً وبيئة حاضنة فانتشر وكسب أنصاراً، وعادت طالبان أقوى مما كانت ونجحت في الاستيلاء على مناطق كثيرة، وبدأت تهدد الحكومة الشرعية وتبث الرعب في نفوس خصومها

بعد 20 عاماً من الوجود الأميركي في أفغانستان قررت أميركا الانسحاب: إلى متى يضحي الشباب الأميركيون بأرواحهم من أجل الآخرين؟ أميركا لا تستطيع مساعدة من لا يساعدون أنفسهم.

الإدارة الأمركية (الديموقراطية) الحالية أكثر ميلا إلى تبني الموقف الأوروبي في قضايا العالم الثالث: «دع شوكهم في ظهرهم، ينزعونه بأنفسهم، لا تضحي بأولادك من أجلهم»، ومن هنا غيرت أميركا سياسة المواجهة بالقوة إلى سياسة المصالحة وكانت الدوحة وسيطاً نشطا عبر تهيئة الظروف الملائمة للتفاوض.

التساؤلات المطروحة: هل سياسة المصالحة مع طالبان مثمرة؟ وهل تلتزم طالبان بتعهداتها في نبذ العنف؟ وهل تقبل تسوية سياسية تضمن الاستقرار والأمن للأفغان؟

في تصوري أن كل ذلك بلا جدوى:

1- إن سياسة استرضاء طالبان عبر تقديم تنازلات نوع من الاستسلام، يعزز سيطرتها ونفوذها.

2- أثبتت كل التجارب السابقة أن استرضاء الجماعات المتشددة سياسة عقيمة وخطرة يدفع أكلافها الباهظة المجتمع: أمنه واستقراره وتقدمه، وليس لها إلا نتيجة واحدة، زيادة تصلب تلك الجماعات ووحشيتها.

الآن: ما ضحايا الاتفاق مع طالبان؟

أولاً: الشريعة الإسلامية أولى ضحايا التطبيق المشوه للإسلام.

ثانياً: التعليم ضحية ثانية لسيطرة طالبان على المناهج.

ثالثاً: المرأة الضحية الرئيسية للفكر الطالباني.

رابعاً: الاقتصاد ضحية أخرى لأن طالبان تحرم السياحة وخطط التنمية الغربية.

خامساً: التهجير، آلاف الأفغان سيهجرون أفغانستان خوفاً من طالبان وعلى حلفاء أميركا منحهم الملاذ الآمن.

سادساً: الحريات، لا معنى للحديث عن الحريات وحقوق الإنسان في ظل طالبان.

سابعا: المجتمع الأفغاني بأسره يصبح أسير النمط الآحادي في الثقافة والمعيشة.

ويبقى في النهاية أن نقول: إن المراهنة على سياسة استرضاء المتشددين العقائديين عبر اتفاقيات أو مصالحات بالمساومة أو التنازل عن الحقوق والحريات سياسة ثبت عقمها وفشلها.

د. عبدالحميد الأنصاري

* كاتب قطري