هذا هو المقال الأخير في هذه السلسلة من المقالات الهادفة إلى تفكيك مفهوم (الولاية على المرأة) أخصصه لاستخلاص نتائج ختامية أبرزها هي:

أولاً: مفهوم "الولاية على المرأة" حكم فقهي لا مبدأ شرعي، والحكم الفقهي فهم فقيه لنص ديني في سياق اجتماعي معين قابل للتغيير بتغير السياق الاجتماعي، أما المبدأ الشرعي فمبدأ ثابت مؤسس على نص قاطع الدلالة والثبوت.

Ad

ثانياً: مرجعية الولاية على المرأة تقاليد العرب وأعرافهم لا تعاليم الإسلام ومبادئه، وهذه التقاليد مستمدة من أصل اقتصادي يقوم على إعلاء مكانة الرجل في المجتمع لأنه الفارس الذي يدافع عن القبيلة ويأتي بالغنائم عماد المعيشة في مقابل دونية وضعية المرأة الاجتماعية، كونها لا تساهم في المورد الاقتصادي، كما أنها تجلب العار لقبيلتها إذا سبيت، وما التفاخر العربي كما يؤكده الشعر "ديوان العرب" إلا افتخار العربي بالحط من عربي مثله بالانتصار عليه وهزيمته وسبي نسائه.

ثالثاً: الإسلام كنصوص وتعاليم مع تأكيد حق المرأة البالغة العاقلة في الولاية على نفسها، والقرآن الكريم ناطق بذلك في كل المشاهد المتعلقة بشخصية المرأة: ملكة وزوجة وأما وعاملة، الإسلام مع إعلاء مكانة المرأة وإنصافها وحمايتها من التقاليد الظالمة لها، ليس من تعاليم الإسلام احتباس المرأة في البيوت وفرض الوصاية عليها، بل المرأة في القرآن إنسان مكرم لدى خالقه كالرجل تماماً (ولقد كرمنا بني آدم) وهي مكلفة مثل الرجل في حمل أعباء إصلاح المجتمع بحكم الولاية العامة المشتركة.

رابعاً: اجتهادات فقهائنا العظام المتعلقة بالمرأة خاصة أو الشؤون الاجتماعية والسياسية والاقتصادية عامة محل التبجيل والإكرام لكني أراها محكومة بالنسبية الزمنية الحاكمة للمعرفة الإنسانية، كانت مناسبة وصالحة لزمانها ومكانها، ونحن اليوم أبناء هذا العصر، عصر حقوق الإنسان، بحاجة إلى إعادة النظر في كل هذه الأحكام، فما كان منها مبني على نص جلي الثبوت والدلالة فنحن ملزمون به، وما كان منها ظني الدلالة والثبوت فإننا مطالبون بتقديم فقه جديد لأحكام المرأة يتسق مع (5) ثوابت حاكمة هي:

1- المقاصد العليا للإسلام وأهمها حماية "الكرامة الإنسانية".

2- الدستور الوطني الذي كفل الحقوق والواجبات المتساوية للمواطنين والمواطنات.

3- المواثيق الحقوقية الأممية الداعمة للمساواة العامة في الحقوق والواجبات بين البشر.

4- قيم العصر.

5- التحولات الاجتماعية التي جعلت المرأة اليوم مشاركة في خطط العمل والتنمية والإنتاج.

خامساً: ينبغي التمييز بين مفهوم (القوامة) القرآني ومفهوم (الولاية) الفقهي، فالقوامة مفهوم قرآني معطى للزوج بحكم مسؤوليته بالإنفاق على الأسرة وتأمين احتياجاتها وحمايتها ورعايتها، أما الولاية فنوع من الوصاية المفروضة على قاصر أو مختل العقل أو فاقد الرشد لا يحسن التصرف، تشكل قيداً على تصرفاته وحريته، لذلك فإن فرضها على المرأة البالغة العاقلة الرشيدة أمر غير مبرر، وغير منطقي، يخالف كل المواثيق الحقوقية الدولية والدساتير الوطنية وقواعد العدالة والمساواة جوهر الدين الإسلامي والأديان عامة.

سادساً: القرآن الكريم أكد بنص صريح وقاطع أهلية المرأة للولاية العامة في قوله تعالى: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ"، وإذا قرر القرآن حق المرأة في الولاية العامة فلا يلتفت بعد ذلك، إلى مرويات حديثية مظنونة مخالفة تنتقص من أهلية المرأة، ولا عبرة باجتهادات فقهية تهدف إلى التشكيك في هذه الأهلية تارة بالقول إن هذه الآية في الولاية العامة دون الولاية الخاصة وتارة أخرى بحجة أن المرأة عاطفية تنقاد وراء عواطفها فلا تحسن التصرف، فمن كانت أهلا للولاية على الشؤون المجتمعية العامة ومؤتمنة عليها فهي من باب أولى أهل للولاية على شؤونها الخاصة بها، ومؤتمن على نفسها وتصرفاتها بدون الحاجة إلى ولي ذكر يراقب تحركاتها ويتحكم فيها.

*كاتب قطري

د. عبدالحميد الأنصاري