قالت أستاذة القانون المالي في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. فاطمة دشتي، إن الدستور نص في مادته 144 على أن السنة المالية تصدر بقانون، ورغم تضمينه هذه المادة في أعلى أداة قانونية، فإنه ترك تحديد بداية ونهاية هذه السنة لأداة أقل درجة في الهرم التشريعي، وهي القانون، مشيرة إلى أن استخدام قواعد إقرار الميزانيات كأداة في المناورة السياسية أمر مرفوض.

وذكرت دشتي، في دراسة قانونية بعنوان "قراءة أولية في إقرار الميزانية العامة" خصت بها "الجريدة"، أن ملاءمة تاريخ بداية ونهاية السنة المالية أمر يخضع لظروف متغيرة قد تمر بها الدول، ومما يؤكد ذلك أن بدايات السنة المالية ليست واحدة بالنسبة للأنظمة المالية المختلفة في العالم، وهو امر حرص عليه المشرع، حيث حدد بداية للسنة المالية لتصدر فيه الميزانية في تاريخ معين وتنتهي في تاريخ حدده القانون، مبينة أن تغير بداية السنة المالية عدة مرات في الكويت دليل على ذلك، ووسيلة للبحث عن الملاءمة التي تستوجب حسن التطبيق.

ورأت أن المشرع الكويتي كان حصيفا عندما ضمّن دستوره وقانون الميزانية واللائحة الداخلية لمجلس الأمة نصاً يعالج حالة تأخير صدور قانون الميزانية، وهو أمر يحسب له حتى ولو لم يوضح أسباب هذا التأخير، حيث نص في المادة 145 من الدستور على أنه "اذا لم يصدر قانون الميزانية قبل بدء السنة المالية فإنه يعمل بالميزانية القديمة لحين صدوره وتجبى الإيرادات وتنفق المصروفات وفقا للقوانين المعمول بها في نهاية السنة المذكورة، وإذا كان مجلس الأمة قد اقر بعض أبواب الميزانية الجديدة يعمل بتلك الأبواب"، مؤكدة أن هذا يعني تطبيق هذه الحلول قبل صدور قانون ربط الميزانية.

Ad

أسباب التأخير

وبينت دشتي، أن هذا التأخير في صدور الميزانية يرجع لأسباب كثيرة قد تتنوع، لكن النتيجة واحدة، وهي صدور الميزانية بشكل متأخر، فمنها ما يكون نتيجة لظروف استثنائية، وهو ما حدث في ميزانية 2020 -2021 وبناء عليه صدرت الميزانية في شهر أكتوبر، وهو أمر لن نتوقف كثيراً عنده ومنها ما يرجع لأسباب متعلقة بتأخير تقديم مشروع قانون الميزانية من الحكومة، وقد يكون هذا التأخير بسبب متعلق بالسلطة التشريعية.

وزادت: وهنا ستكون لنا وقفة سنطرح فيها بعض الأسئلة ونحاول الإجابة عنها من خلال بعض المعطيات المتوفرة لدينا والمعلومات التي استطعنا الحصول عليها، متسائلة: هل قدمت الحكومة مشروع قانون الميزانية للسنة المالية 2021/2022 للمجلس بشكل متأخر؟ وخالفت المادة 140 من الدستور والقوانين المالية الأخرى؟ التي تنص على أن" تعد الدولة مشروع الميزانية السنوية الشاملة لإيرادات الدولة ومصروفاتها وتقدمه إلى مجلس الأمة قبل انتهاء السنة المالية بشهرين على الأقل لفحصها وإقرارها".

واستطردت: وهو أمر تم التثبت منه فمشروع الميزانية أحيل من الحكومة لمجلس الأمة في تاريخ 27 يناير 2021 وتمت إحالته للجنة الميزانيات والحساب الختامي في تاريخ 28 يناير 2021 تطبيقاً للمادة 160 من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة أي دون تأخير من الحكومة.

وتساءلت: هل تأخرت لجنة الميزانيات بإيداع تقريرها في الوقت المحدد في المادة 161 من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة؟ مردفة: نعم وهو أمر تم التحقق منه أيضاً، فالمدة القانونية المقدرة بستة أسابيع انتهت بتاريخ 11 مارس 2021 وانتهت مدة الأسبوعين التي نصت عليها المادة سالفة الذكر في 25 مارس 2021 ولم تقدم اللجنة تقريرها، ‘ذن استنفذت هذه الأخيرة المدد المحددة لها قانوناً.

وأضافت دشتي: ما التبعات التي تترتب على ذلك؟ وهل تصدى القانون لهذا الأمر؟، وأجابت: نعم تصدى القانون لهذه الفرضية الأخيرة في الفقرة الأخيرة من المادة 161 حينما قرر التالي: "فان لم تقدم اللجنة تقريرها في خلال هذه المهلة جاز للمجلس أن يناقش مشروع قانون الميزانية بالحالة التي ورد بها من الحكومة".

حلول استثنائية

وتابعت: ما التبعات التي تترتب على ذلك؟ الأصل أن للميزانية العامة إجراءات متتابعة مرتبطة بمدد وأزمان حددها المشرع الدستوري والمالي لتتوافق مع صدورها في وقت معين، مردفة: وفي حالة حدوث خلل في هذه الإجراءات يستطيع المشرع أن يضع حلولاً استثنائية لتعجيل صدور الميزانية، مشيرة إلى أنه أحد الحلول التي وضعها المشرع هو مناقشة المشروع كما ورد من الحكومة أي الأخذ بالمشروع كما هو دون أي تعديل وهو إجراء يجب أن يؤخذ بقدره، إذ إن الميزانية عمل تشترك فيه الحكومة والمجلس.

ولفتت إلى أن ذلك لا يعني حرمان المجلس من مناقشة مشروع قانون الميزانية، فالمناقشة تتم من خلال هذا الأخير وبالأطر التي حددها القانون ولكن كما ورد المشروع من الحكومة ودون أي ملاحظة او تعديل من قبل لجنة الميزانيات.

قانون مستعجل

وأشارت دشتي إلى تعامل المشرع مع الطبيعة الخاصة لقانون الميزانية، حيث إنه قانون وقتي ومستعجل مرتبط بمدة زمنية حددها المشرع الكويتي والتشريعات المالية الأخرى، بمدة سنة، وربطها بإجراءات إعداد ومناقشة وإقرار تختلف عن القوانين الموضوعية الأخرى، مؤكدة أن قانون الميزانية هو قانون شكلي لا يتضمن قواعد عامة موضوعية ومجردة، وإنما هو وثيقة تشتمل على إيرادات ونفقات الدولة العامة تغطي فيها احتياجات مرافقها العامة خلال سنة مالية.

ولفتت إلى أن اللائحة وضحت الاجراء المتخذ في حالة تأخر لجنة الميزانيات عن تقديم تقريرها عن الموعد، الذي حدده لها المشرع، ولكنها لم توضح الإجراءات المتخذة في حالة عدم تقديم الحكومة لمشروع القانون في الأوقات المحددة في القانون.

وأوضحت دشتي أنه من مراجعة النصوص الدستورية والمالية نلاحظ أن الحلول، التي تبناها المشرع الكويتي، حلول مختلفة واجه بها أسبابا مختلفة لتأخير صدور الميزانية، مبينة أن الحل الأول أجاز به تطبيق الميزانية القديمة لحين صدور الميزانية الجديدة بجباية للإيرادات وإنفاق للمصروفات وفقا للقوانين المعمول بها في نهاية السنة المالية المذكورة.

واعتبرت أن ذلك حل مؤقت غير مستمر لمواجهة واقع تأخير صدور قانون الميزانية اتجه إليه المشرع في حالة عدم جهوزية الميزانية أو عدم اقرار أي باب من أبوابها ووفق قواعد وقيود لا يجوز الخروج عليها إلا في حالات محددة، لذلك أصدر وزير المالية التعميم رقم 3 لسنة2021 بشأن الصرف، والذى يتضمن القواعد والتعليمات التي يتعين اتباعها بهذا الشأن حتى اصدار قانون ربط ميزانية الوزارات والإدارات الحكومية وقوانين ربط ميزانيات الهيئات الملحقة والمؤسسات المستقلة.

أبواب الميزانية الجديدة

وأردفت دشتي: أما الحل الثاني، الذي وضعه المشرع، فهو العمل بأبواب الميزانية الجديدة والتي أقرها المجلس وأصبحت جاهزة دون انتظار لصدور قانون ربط الميزانية، وهو تطبيق حرفي للنص يتلاءم مع الطبيعة الخاصة لقانون الميزانية، وهذا الحل لم يتم اللجوء إليه لعدم اقرار أي باب من أبواب الميزانية، لافتة إلى ان المقصود بالأبواب، التي تم إقرارها، أنها أبواب من الميزانية استوفت الإجراءات المطلوبة بعبارة اخري تمت مناقشتها في لجنة الميزانيات وناقشها المجلس وأقرها.

وتابعت أن الحل الثالث والأخير ضمنه المشرع في نص المادة 161 من لائحة مجلس الأمة، وهو "تقديم لجنة الميزانيات والحساب الختامي للمجلس تقريرا يتضمن عرضا عاما للأسس التي يقوم عليها مشروع الميزانية وبيانا مناسبا عن كل قسم من أقسامها، مع التنويه بالملاحظات والاقتراحات التي يقدمها أعضاء المجلس او اللجنة بشأنها، وذلك في ميعاد لا يجاوز ستة أسابيع من تاريخ إحالة المشروع الى اللجنة، فإذا انقضت هذه المهلة دون أن تقدم اللجنة التقرير المذكور وجب أن تبين أسباب ذلك للمجلس، وللمجلس ان يمنحها مهلة أخرى لا تجاوز أسبوعين، فإن لم تقدم تقريرها خلال هذه المهلة جاز للمجلس ان يناقش مشروع قانون الميزانية بالحالة، التي ورد بها من الحكومة".

وأكدت أن الحل الثالث رغم خطورة نتائجه لم يرد في الدستور أو في المرسوم بالقانون رقم 31 لسنة 1978 الخاص بقواعد إعداد الميزانية والرقابة على تنفيذها والحساب الختامي، ولكنه ورد في اللائحة الداخلية لمجلس الامة، وان كان في ظاهر الحال ينظم مسألة ذات طابع إجرائي، ولكن مضمون هذا الإجراء يؤثر على موضوع الميزانية بشكل مباشر، وهو يستند في الواقع إلى نص المادة 117 من الدستور الذي يتسق مع طبيعة دور اللائحة في تنظيم العمل بمجلس الأمة وأسلوب ممارسة الاختصاصات المنوطة به.

وأوضحت أن الأصل هنا أن تقدم لجنة الميزانيات والحساب الختامي تقريرها خلال ميعاد لا يجاوز 6 أسابيع من تاريخ إحالة المشروع للجنة، ولها أن تطلب مهلة أسبوعين مع بيان الأسباب الداعية لذلك، فإن لم تقدم تقريرها خلال هذه المهلة جاز للمجلس أن يناقش مشروع قانون الميزانية بالحالة التي ورد بها من الحكومة.

سابقة تاريخية

وأشارت دشتي إلى أنه لم يتم اللجوء الى هذا الاجراء في أي وقت سابق بتاريخ المجلس، حيث كانت اللجنة تطلع مكتب المجلس وبشكل ودي بمراحل تقدمها في مناقشة مشروع الميزانية ومشاريع الميزانيات الأخرى، وتبعث الأبواب الجاهزة لإقرارها، مما جعل الأمور تسير بانسيابية رغم صدور الميزانية بشكل متأخر في سنوات سابقة، مبينة أن مجلس الأمة فعل هذ الآلية وتقديم مشروع الميزانية كما ورد من الحكومة، وخصوصا أن اللجنة لم ترسل ما أنجزته لإقراره ولم تستجب لطلب الإسراع الذي تقدم به المجلس، وقد تم التصويت عليه بصفة مستعجلة في جلسة خاصة بالميزانيات بتاريخ 22 يونيو 2021.

وأكدت أن خطورة هذا الحل تكمن بتجاوز إحدى مراحل الرقابة الفنية التي تقوم بها لجنة الميزانيات والحسابات الختامية في مجلس الامة، وقصرها في هذه الحالة على رقابة المجلس العامة فقط وبشكل مستعجل، دون الالتفات إلى ملاحظات اللجنة وتقريرها الذي لم تقدمه بالرغم من انتهائها من أجزاء مهمة منه، وفق ما صرح به عضو لجنة الميزانيات والحسابات الختامية النائب عدنان عبدالصمد والرئيس السابق للجنة.

وبينت أن "النتيجة السابقة هي جزء من المشهد يستحق الوقوف عنده، وأعتقد أن السبب في النتيجة المذكورة يرجع في ظاهره إلى الرغبة أو لنقل الإصرار على تقديم تقرير كامل متكامل عن كل مشروع قانون للميزانية، وبالتالي هجر الحل الواقعي والمشروع الذي كانت تسير عليه اللجنة، وهو تسليم المجلس ما انتهت اللجنة من فحصه واقراره من عناصر تقريرها الخاص بمشروع قانون الميزانية".

مناورة سياسية

وأفادت دشتي بأنه إذا كان الحل السابق يحرم المجلس من تقرير شمولي للميزانية إلا أنه يتلاءم مع واقع حاجة بعض الأبواب لإقرارها مع بداية السنة المالية، لصعوبة تطبيق حكم المادة 145 من الدستور عليها، مستطردة: "ولعل السبب الآخر، وهو أمر لا نود أن يكون، هو استخدام قواعد إقرار الميزانيات كأداة في المناورة السياسية".

وتابعت: "مثل هذا الاستخدام متصور، ولكنه من وجه نظرنا غير محبذ لأنه سيصيب مصالح المواطنين بضرر، قل ام كثر، والمواطنون ليسوا طرفا مباشرا في الصراع السياسي، بل ان التباين في الرؤى بين السياسيين يلزم ان يكون هدفه توفير أكبر قدر من الرفاه لهم، وهو ما أكده الدستور في ديباجته".

وأضافت أنه "إذا كانت أدوات المحاسبة أو المواجهة السياسية غير كافية من وجه نظر بعض السياسيين فالحل الأفضل هو تقويتها من خلال تعديل القواعد المنظمة لها، لا استخدام موضوع الميزانية في غير الهدف الذي وجد له".

وأكدت أن الحلول الاستثنائية لتأخير إقرار الميزانية موجودة لمواجهة كل فرضيات التأخير أيا كانت أسبابها، معربة عن اعتقادها بأن الاستخدام التدشيني للمادة 161 من اللائحة الداخلية للمجلس يستحق وقفات تحليلية إضافية.

مواجهة الفراغ المالي... خروج غير مبرر عن مبدأ السنوية

أكدت د. دشتي أن القول "بأننا امام حل وضعه المشرع ويمكن الاستمرار به لمواجهة حالة الفراغ المالي قول غير دقيق، وإلا كنا أمام امتداد للسنة المالية وخروج غير مبرر عن مبدأ السنوية، لأسباب نوردها على سبيل المثال لا الحصر".

وفي بيان تلك الأسباب، ذكرت أن صدور تعميم من وزير المالية دليل على "اننا امام حالة غير عادية تستوجب قواعد استثنائية مثال ذلك ما ورد في الاحكام العامة للتعميم المذكور من عدم جواز اجراء أي مناقلات بين أنواع وبنود أبواب مصروفات الميزانية، الا بعد إقرار التقديرات من قبل مجلس الامة أو صدور قانون ربط الميزانية، وهو امر في الأصل مباح".

وأضافت أنه "لا يجوز قيام الجهات الحكومية بتوقيع عقود جديدة قبل إقرار التقديرات أو صدور قانون ربط الميزانية للسنة المالية 2021/2022، وهو امر تستطيع القيام به في الظروف العادية في حالة وجود الاعتمادات المالية وصدور الميزانية في وقتها".

وفي السبب الثالث، ذكرت أن "التعميم وضع قيودا بالنسبة للعقود المستمرة للسنوات المالية السابقة، حيث يتم الصرف عليها في حدود الاعتمادات المخصصة لها في ميزانية السنة القديمة او تقديرات وزارة المالية للسنة المالية الجديدة المقترحة بمشروع ميزانية السنة المالية 2021/2022 ايهما اقل".

وذكرت أن من جملة الأسباب "تقييد التعميم لاستمرارية صرف تعويضات العاملين وإجراء التعيينات والترقيات والنقل والندب والاعارة في حدود الوظائف المعتمدة في الميزانية القديمة 2020 /2021 او المقترحة بمشروع الميزانية الجديدة 2021/2022 ايهما اقل، مع الالتزام بالضوابط التي يحددها ديوان الخدمة المدنية".

ولفتت إلى أن التعميم أورد في التوجيه الثاني الخاص بالمصروفات الجارية حظرا بعدم شغل الوظائف المقترحة في مشروع ميزانية 2021/2022، واستثنى المعينين خصما على الاعتماد التكميلي، وهو أمر لا يجوز التوسع فيه.