يبدو أن تفويض رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، إلى الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، الائتمان على حقوق المسيحيين، لم يمر بشكل عابر على البيئة المسيحية اللبنانية، فقد أثار هذا الموقف انزعاج القوى المسيحية المتعددة؛ بدءاً من الكنيسة المارونية إلى القوى السياسية المسيحية الأخرى، التي وصفته بأنه من أبرز تجليات «الذمية السياسية».

وتسارعت الردود على خطاب باسيل، مشيرةً الى تناقض بين ادعائه حماية وتحصيل حقوق المسيحيين، ومن ثم تحصيلها وحمايتها إلى نصرالله، ومعتبرةً أن حرص باسيل على الطائفة المسيحية لا يتطابق مع الواقع، إذ إنه ينخرط في صراعات شرسة مع كل القوى والشخصيات المسيحية السياسية، وهذا ما يوحي بأن معركته شخصية ومصلحية، ولا علاقة لحقوق المسيحيين ولا اللبنانيين بها.

Ad

وكان لافتاً تزامن كلمة باسيل مع موقف بارز للبطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي دعا مجدداً إلى ضرورة حصر السلاح بيد الجيش اللبناني، وهي إشارة ضمنية إلى رفض سلاح حزب الله.

ولمثل هذا الموقف دلالات سياسية لا يمكن من خلالها أن ترتضي بكركي بمثل المواقف التي يطلقها صهر رئيس الجمهورية وتجييره مواقف المسيحيين إلى جانب نصرالله، أو وضعهم أسرى معادلات حزب الله.

لكن الامتعاض لم يقتصر على البيئة المسيحية، أو على خصوم باسيل فقط، فقد أبدى حزب الله نفسه، على لسان مصادر قريبة منه، انزعاجاً من كلام باسيل، لمجموعة أسباب؛ أولها أن أكثر ما يحرج الحزب هو مخاطبته عبر وسائل الإعلام، كما فعل باسيل، علماً أن الحزب كان قد بعث رسائل واضحة ومتكررة لحلفائه بأن أي تباين يجب أن يُحل في الغرف المغلقة لا عبر التراشق الإعلامي.

ثانياً، وهو الأهم، اعتبر حزب الله أن باسيل يريد ممارسة لعبة الابتزاز بتخييره بين التحالف معه أو مع رئيس البرلمان نبيه بري، علماً أن الحزب لا يمكن أن يضع مثل هذه المقايضة في ميزانه، فهو حريص على وحدة القرار الشيعي داخل الطائفة، وفي الوقت نفسه يستفيد في إدارته للعبة السياسية من إمساك برّي بالورقة السنية، من خلال دعم الرئيس سعد الحريري في عملية تشكيل الحكومة، في حين يمسك الحزب بالورقة المسيحية.

ويعتبر كثيرون أن هذه السجالات السياسية والطائفية معيبة بحق الشعب اللبناني، الذي يعاني أسوأ الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، بينما يرى مراقبون أن طريقة إدارة المعركة السياسية من خلال إحياء الانقسامات وتحشيد الخطاب الطائفي والمذهبي تسهم في مساعدة القوى السياسية على إعادة تعويم نفسها واحتواء أي حراك احتجاجي واسع قد يتشكل بوجهها ويديم الانقسام بين اللبنانيين، الذين يتلهون بمثل هذه الصراعات، بدلاً من أن تقتلهم الهموم ضد الطبقة السياسية الحاكمة.

وتفتقد القوى السياسية القدرة على تقديم أي مبادرة سياسية، لكنها للمفارقة تنجح بامتياز في إيجاد كل عوامل الانقسام بين اللبنانيين، فالسجال الذي فتحه باسيل لن يكون ذا بعد مسيحي فقط، بل سيكون ذا بعد إسلامي - إسلامي، فبمطالبته نصرالله بتحصيل حقوق المسيحيين، يريد باسيل تقديم الصورة على الشكل التالي: «قوة شيعية تعمل على تعزيز حقوق المسيحيين وانتزاعها من السنّة»، وهذا بحدّ ذاته كفيل بإحياء فتن طائفية ومذهبية متنقلة لا تقود إلى صراع على تشكيل الحكومة فقط، بل ستُوصل إلى طروحات تمس النظام السياسي ووجهته وهوية لبنان.

وهذا الصراع الداخلي، الذي يأخذ طابعاً شخصياً، يُعقّد حل الأزمة اللبنانية، حتى إذا وجدت توافقات إقليمية أو دولية في حال التوصل لاتفاق في فيينا حول برنامج إيران النووي، لأنه بعد الانهيار الشامل ستكون كل التسويات الموضعية غير مجدية، ولمنع الانفجار لابد من التوصل إلى اتفاق على تعديل النظام، عبر حوار جدّي يشبه مؤتمر الطائف أو مؤتمر الدوحة يرسي صيغة جديدة، وهذا بالتأكيد يحتاج إلى وقت طويل ليتبلور.

لا معلومات تفيد بأن حزب الله سيرد على كلام باسيل، إلا أن الأنباء تشير إلى أن رئيس الجمهورية ميشال عون يريد إطلاق مواقف تدعم طروحات صهره، إما من خلال توجيه كلمة للبنانيين أو الدعوة إلى طاولة حوار جامعة أو حتى حوارات ثنائية.

وأخيراً يتزايد الحديث عن فكرة جديدة يعدها فريق عون لتشكيل حكومة إنقاذ مصغرة لا يترأسها الحريري، لكن خصوم رئيس الجمهورية يعتبرون أن هذا الطرح لا يمكن أن يرى النور، مما يعني أن مسلسل المراوحة اللبنانية متواصل حتى إشعار آخر.

منير الربيع