إذا كان العدل قيمة كبرى في الإسلام، والإسلام دين العدل فلماذا فرض منتجو المعرفة الدينية عبر ألف عام التفرقة بين الرجل والمرأة، غالوا في إعلاء مكانة الرجل، منحوا الزوج حق التحكم في زوجته، فلا تتصرف إلا بموافقته وإذنه بحجة (ولاية الزوج على زوجته) وتوسلوا بمرويات حديثية ألغت رغباتها، فإذا طلبها وهي غير راغبة حرم عليها الامتناع وتظل الملائكة تلعنها حتى الصباح، كما ألغت إرادتها فلا تصوم تطوعاً إلا برضاه وموافقته، مغبة أن يطلبها نهاراً فتمتنع بحجة الصيام؟!

وضحنا فيما سبق أن مرجعية فرض الولاية على المرأة ترجع إلى تقاليد العرب وثقافتهم بأكثر من النصوص الدينية مع أن جلها ضعيف أو مكذوب، وما صح منها ظني الدلالة لا يقوى على فرض الولاية على إنسان بالغ عاقل، لكن التساؤل الأعمق: لماذا قامت تقاليد العرب على إعلاء وضعية الرجل مقابل الوضعية الدونية للمرأة؟

Ad

"العامل الاقتصادي" هو العامل الأساس في تردي وضعية المرأة الاجتماعية وانحسار دورها في المجتمع عبر قرون متوالية وصولاً إلى الثورة الصناعية في العصر الحديث، فقد كان المورد الاقتصادي الأساسي للمجتمع العربي قبل الإسلام، الغارات القبلية وما يصاحبها من عمليات السلب والنهب والسبي وقطع الطرق، وهذا الشعر وهو ديوان العرب ناطق بكل جلاء لكل ذي عينين أن فخر العربي كان في الحط من عربي مثله عبر الافتخار بالانتصار عليه وسبي نسائه وأمواله، وأما بعد الإسلام فقد كانت الغنائم المجلوبة بداية بالفتوحات الإسلامية في القرن الأول الهجري وانتهاء بالحروب لتوسيع رقعة الإمبراطورية الإسلامية في القرون اللاحقة، إضافة إلى الفيء والخراج والجزية والعشور والزكاة هي الموارد الرئيسة لدولة الخلافة الإسلامية.

في تلك الأزمنة، وفي أجواء تلك المجتمعات التي يغلب عليها الطابع الحربي العنيف في علاقاتها السياسية الدولية مع بعضها، لم يكن للمرأة أي مشاركة عسكرية في جلب هذه الموارد كونها غير مؤهلة لركوب الفرس والإتيان بالغنائم التي هي عماد الاقتصاد، كما لم يكن لها أي مسؤولية في الوظائف المتعلقة بالدفاع والجباية وحفظ الأمن، فاختص الرجل بوظائف الدولة كلها وتفرد بحمل أعبائها وحده، وتسيد المشهد العام لتكون له اليد والكلمة والوضعية العليا، ولترضى المرأة بالوضعية الدنيا، ومن هنا كان تهميش المرأة في المجتمع العربي أمراً واقعياً ومقبولا، فمن لا يشارك في الدفاع أو الإنتاج فعليه أن يبقى في الدرجة الأدنى، تابعاً منتقص الحقوق لا يحق له التصرف إلا بإذن سيده.

لقد كانت هذه الوضعية الدونية للمرأة أمراً طبيعيا مقبولاً لدى المجتمعات القديمة كافة، بررها القديس أوغسطين بقوله: "إنه من طبيعة الأشياء أن تخضع النساء للرجال لأنه من العدل أن يخضع العقل الأضعف للعقل الأقوى"، وعللها القديس بولس: "ما خلق الله الرجل من أجل المرأة بل خلق المرأة من أجل الرجل".

وما يؤكد هذا المفهوم وأن قضية الولاية على المرأة بأسرها مبنية على الأساس الاقتصادي، ما يرويه الإمام الطبري في تفسيره عن ابن عباس: "لما نزلت آية المواريث (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) كرهها الناس وذهبوا للنبي يقولون: كيف تعطي المرأة الربع والثمن وتعطي البنت والأخت النصف وهي لا تركب فرساً ولا تقاتل العدو ولا تحوز الغنيمة؟".

ولكن إذا كان الرجل في الماضي مصدر الإنتاج، كونه الفارس الذي يدافع عن القبيلة ويغزو ويأتي بالغنائم، فما مبرر بقاء الوضعية الدونية للمرأة (مواطنة منتقصة) حتى اليوم في المجتمعات الخليجية، وقد أصبحت المرأة مشاركة كالرجل في التنمية والإنتاج؟!

يعلل الدكتور مايكل روس في كتابه (نقمة النفط) استدامة هذه الوضعية بالعامل الريعي، فالريع النفطي يقلل حاجة الدولة للمشاركة الاقتصادية للمواطنات كما يقلل حاجة المرأة نفسها للعمل، ومن ثم يهمش دورها السياسي ويديم النظام الأبوي، وهذا إن كان صحيحاً إلا أن الصحيح أيضا أن الدولة الخليجية الريعية أصبحت اليوم مستغنية عن المشاركة الاقتصادية حتى لمواطنيها الرجال أيضاً، كونها تملك الوفرة المالية وتجلب العمالة المسترزقة.

* كاتب قطري