تسعى القوى الدولية إلى نفض يديها من الطبقة السياسية اللبنانية، وهناك سلسلة مواقف وتحركات تشير إلى ذلك وتؤكده، وآخرها المؤتمر الدولي الذي عقد بدعوة فرنسية لدعم الجيش اللبناني.

كان المؤتمر نقطة تحول أساسية لدى باريس والمجتمع الدولي في تركيز الاهتمام على الجيش، وما يعنيه ذلك من حرص على الاستقرار والأمن. زيارة مفوض الشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، أمس، إلى بيروت ولقائه المسؤولين تؤكد أيضاً نفض اليد الدولية من القوى السياسية. فقد دعا بوريل إلى ضرورة تشكيل سريع لحكومة تنفذ الإصلاحات المطلوبة دولياً، وتوقف الحسابات المصلحية والسياسية.

Ad

وشدد المسؤول الأوروبي على أنه في حال عدم الذهاب إلى إيجاد حلّ سريع لأزمة تشكيل الحكومة، فإن مسألة فرض عقوبات أوروبية على مسؤولين لبنانيين ستكون مطروحة.

وكانت «الجريدة» قد ذكرت، في تقرير سابق الأسبوع الفائت، نقلاً عن دبلوماسي فرنسي، بدءها بإجراءات لفرض عقوبات ومنع السفر على مسؤولين لبنانيين متهمين بالفساد والتعطيل، وهذا ما أكده قبل أيام مسؤولون فرنسيون في تصريحات علنية.

المسؤولون اللبنانيون المصابون بحالة فقدان للمسؤولية سيواصلون على الأرجح التراشق السياسي ولعبة تقاذف المسؤوليات التي تستخدم لحسابات انتخابية على أساس تعزيز الخطاب المذهبي والطائفي، بهدف شد العصب مع ما قد يعكسه من توتر في الشارع بين القوى المتصارعة والمتنافسة.

ولا يبدو أن القوى السياسية في وارد التنازل عن مطالبها وشروطها، إذ تفيد شخصية سياسية بارزة بأن رئيس الجمهورية ميشال عون أبلغ حزب الله بطريقة غير مباشرة أنه لن يوقّع على تشكيلة حكومية يسعى سعد الحريري إلى فرضها كما يريد، في موقف سياسي تفسّره القوى المعارضة لعون بأنه يضع «فيتو» على الحريري نفسه، وهو ما يكرّس منطق الانقسام السياسي والدستوري أيضاً، إذ إن الاشتباك الكلامي الذي وقع بين عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري كان مرتكزاً على الاختلاف في تفسير الدستور.

بري يقول إنه لن يسمح لعون بتفسير الدستور كما يشاء، والبيان الشديد الذي أصدره واتهم به عون بتحريف تفسير الدستور كان هدفه إيصال رسالة واضحة، لكن على ما يبدو أن الرسالة لم تصل. يرفض بري أن ينجح عون في سحب تكليف الحريري أو منعه من تشكيل الحكومة، لأن ذلك اعتداء على صلاحية المجلس النيابي الموكل وحده بمنح التكليف لرئيس الحكومة.

ولا يبدو أن عون الذي يعتبر أن عملية تكليف الحكومة يجب أن تكون بين رئيسي الجمهورية والحكومة، ويجب ألا يتدخل فيها رئيس المجلس النيابي، في وارد السكوت، بحسب ما تشير مصادر قريبة منه، فهو يستعد للقيام بخطوات متعددة، بينها الدعوة إلى طاولة حوار.

كل هذا يعني أن «صراع الصلاحيات» سيستمر، مع ما سيفرزه من توترات سياسية، على وقع استمرار الانهيار الاقتصادي والمالي.

تقول شخصية سياسية بارزة لـ «الجريدة» إن الأفق في لبنان مسدود بشكل كامل، لا أحد قادر على التراجع، وكل الملفات ستكون مؤجلة إلى الخريف المقبل، خصوصاً بعد أن فتح الحريري مجدداً باب الاعتذار، إلا أنه ربط ذلك بالتفاهم مع بري، الذي لا يريد الإقدام على أي خطوة جديدة قبل التفاهم على الحكومة المقبلة وعلى رئيسها الذي يجب أن يحظى بثقة الحريري والطائفة السنيّة. حتى الآن لم تحن هذه اللحظة، ربما تتبلور في الأسابيع المقبلة بالاتفاق على تشكيل حكومة انتخابات، وهذه أصبحت مطلباً لقوى المجتمع الدولي، طالما أنه لا قدرة على تشكيل حكومة إنقاذ اقتصادي.

● بيروت - منير الربيع