استطاع الرحالة الإيطالي لودوفيكو دي فارتيما، قبل أكثر من خمسمئة عام، دخول المدينة المنورة متنكراً بأنه مسلم من المماليك، يعمل مع فريق حماية قافلة الحجاج الشامية.

وقد ذكرت في المقال السابق بعض المعلومات التي كتبها في كتابه عن مشاهداته في المدينة. بعد ذلك، وصل لودوفيكو إلى مكة المكرمة، وهو أول مَن يدخلها من الأوروبيين غير المسلمين، ووصفها كما شاهدها. قال في أحد تعليقاته: "المدينة (أي مكة) في غاية الجمال، ويقطنها عدد جيد من الناس، وتضم حوالي 6000 عائلة. المنازل جيدة جداً، مثل منازلنا، وهناك منازل تقدّر بما قيمته ثلاثة أو أربعة آلاف دوكت (عملة أوروبية مصنوعة من الذهب أو الفضة استخدمت في العصور الوسطى وحتى القرن العشرين)".

Ad

ويستمر في وصفه لأشرف وأقدس مدن المسلمين فيقول: "المدينة ليست محاطة بسور، وعلى بعد ربع ميل من المدينة عثرنا على جبل يمر من خلاله طريق شيدته اليد البشرية". وكما نعرف فإنّ مكة محاطة بجبال وعرة، وقد حفرت أنفاق عبر الجبال منذ فترة بعيدة لتسهيل الوصول إلى البيت الحرام. وتحدّث الرحالة الإيطالي بإيجاز عن حاكم مكة في ذلك الوقت، فقال "إن حاكم المدينة هو السلطان، وهو أحد أربعة إخوة يتحدرون من أصول محمد (صلى الله عليه وسلم) ويتبعون السلطان الكبير في القاهرة. أما إخوته الثلاثة فهم في حالة حرب معه باستمرار".

لودوفيكو يصف قافلة الحجاج المصرية

وعند دخوله مكة في 18 مايو، وصف لودوفيكو ما شاهده بالقول "دخلنا من الجهة الشمالية ثم نزلنا إلى الوادي، وكان يوجد على الجانب باتجاه الجنوب جبلان ملتصقان إلى حدّ ما وفيهما طريق يقود إلى مدخل مكة".

وبعد أن وصف الجبال حول مكة المكرمة وتعرّض إلى تفاصيل أخرى تتعلق بالطريق، انتقل لودوفيكو إلى الحديث عن برك المياه التي شاهدها، فقال "يوجد في طرف أحد الجبال بركتان جميلتان جداً للمياه، إحداهما مخصصة لقافلة الحجاج القادمة من القاهرة، والأخرى لقافلة الحجاج القادمة من دمشق، وهذه المياه تتجمع من الأمطار وتأتي من مسافة بعيدة".

وتحدث أيضاً عن مشاهدته لقافلة الحجاج المصرية، وذكر أنها تتكون من عدد كبير من الحجاج وفريق أمني من الجنود المماليك. يقول في تعليقه حول ذلك "عندما دخلنا (مكة) وجدنا قافلة القاهرة التي وصلت قبلنا بثمانية أيام، لأنهم يسلكون طريقاً مختلفاً عن طريقنا. هذه القافلة تتألف من 64 ألف جمل و100 (جندي) مملوكي".

وشرح الظروف الصعبة التي يعيشها الحجاج وسكان مكة بسبب نقص الأغذية والمياه، خصوصاً أثناء موسم الحج فقال: "سأقول لكم بأي طريقة يعيشون، كمية كبيرة من احتياجاتهم تأتي من القاهرة، أي من البحر الأحمر، حيث يوجد ميناء يُطلق عليه جدة يبعد مسافة 40 ميلاً. كما أن كمية كبيرة من الطعام تأتي من اليمن، إضافة إلى كمية أخرى تأتي من إثيوبيا. لقد شاهدنا أعداداً كبيرة قادمة من إثيوبيا، وأعداداً أخرى من الهند، وفارس، وسورية. إنه من المؤكد أنني لم أشاهد أعداداً غفيرة من الناس بهذا الحجم تتجمع في موقع واحد خلال الأيام العشرين التي قضيتها هناك".

باسم اللوغاني