يعتبر رئيس الوزراء الماليزي السابق "مهاتير محمد" أنموذجاً مثالياً للقائد "الملهم" الذي تمكّن، بصدق وعزم ورؤية ثاقبة، من انتشال بلاده وشعبه من قعر الفقر الى قمة النمو، حيث أصبحت ماليزيا بفضله "المعجزة الآسيوية" التي حققت نسبة عالية في النمو الاقتصادي بلغت حدود الـ8%.

يروى عن "مهاتير محمّد" أنه بعد أن انتهى من أحد خطاباته التي تناول فيها الاقتصاد والتعليم والحداثة والتطوير وبناء الإنسان، سأله أحد "المتأسلمين": ماذا عن الإسلام والدين؟ فبادره الرئيس بالقول "في كل ما قلت، كنت أتحدث عن الإسلام!".

Ad

وبالفعل، فإن أهم وأوضح ما ينسب للرجل هو نجاحه في تكريس المزاوجة والتوازن بين الإسلام كدين دنيا وآخرة، والقيم الأخلاقية للإنسان الماليزي، وقد قامت سياسته التنموية على تقوية الانتماء الديني الصحيح للمجتمع ورفده بكل المقومات التعليمية واللغوية والتكنولوجية التي تمّكنه من التواصل والتفاعل مع العالم معرفياً وثقافياً.

وبذلك انتقل المجتمع الماليزي تدريجياً من بوتقة الفقر والخضوع الى مرحلة الريادة وصناعة التنمية، ولم يعد الإنسان مجرد هدف للتنمية بل صار أداتها الفاعلة والوازنة واللاعب الرئيس في مخاض تقوية المركز المالي للدولة والنهوض بالقطاعات الاقتصادية المنتجة.

إن التمسك بقيم الإسلام لا يمكن ولا يجوز أن يقترن بالعنصرية أو العصبية، ففي هذا الدين ما يكفي البشرية جمعاء من تعاليم ومبادئ تصلح على الصعيد الوجداني لتعميم ثقافة التسامح والسلام والتواصل بين شعوب الأرض، وهو على الصعيد التنموي يشكل مصدراً حقيقياً لكل مقومات النهوض والازدهار والرفاهية ورفعة الإنسان.

وإذا ما اعتمدنا التعريف التقليدي والمبسط للتنمية نجد أنها مجموعة الرؤى والأنشطة التي من شأن الصدق في تبنيها إحداث تغييرات إيجابية في التنظيم والأداء والمعارف وطرق العمل واتجاهات السلوك والكفاءة المنتجة وصولاً الى رفاهية الفرد والجماعة، فالتنمية مسار شامل ومستمر يتم من خلاله حسن استخدام الموارد والإمكانات الداخلية للمجتمع للنهوض به نحو الأفضل.

والإسلام في هذا السياق سبّاق وريادي، وقد عرف التراث الإسلامي عبارات مرادفة للتنمية المستدامة وللرفاهية والعدالة الاجتماعية، حيث تغص أمهات الكتب بما يرشد الى مرتكزات "التعمير" وما يدلل على محددات "المحيا والحياة" وما ينبه الى متطلبات "المدنية".

ومن المعروف أنّ النظرة الإسلامية للتنمية والعمران هي نظرة شاملة لمكوّني الإنسان روحاً وجسداً؛ فقد ركز الإسلام على الإنسان كمحور للعملية التنموية لما يتميز به من تفكير وضمير، ففرض الدين على كل فرد وجماعة، وعلى كل حاكم ومحكوم، ألا يخرجوا بأقوالهم أو أفعالهم عن الحدود التي من شأنها المساس بالضرورات الخمس التي تشمل النفس، والمال، والدين، والعقل، والعرض.

"أنسنة" التنمية هي جوهر الدين الإسلامي، ويشمل ذلك العناية بالعلم والإتقان للعمل، والاهتمام بالعقل، وتكريس المبادئ السامية وقيم المساواة والعدل وتوزيع الثروات، كل ذلك بهدف بناء الفرد، وبالتالي المجتمع، خلقياً وعلمياً وتعزيز الحضور الفاعل للإنسان المسلم في الحياة كبانٍ لا كهادم، وكمبادر لا كمتلق.

لا شك أن الإسلام، بالثوابت والشواهد، هو دين بناء الإنسان والأوطان، وما أحوج شعوبنا وأوطاننا التي تعاني كل أسباب القهر والفقر والجهل والذل أن تستلهم من إرثنا الديني والإنساني وأن تستمد من قيمنا المتجذرة ما يتيح لنا الخروج من قوقعة الجهل التي وضعنا أنفسنا في قعرها، فبقدر ما يبتعد المجتمع المسلم عن قيم وتعاليم ومبادئ الإسلام الحقيقية، بقدر ما يتعمّق الجهل ويسود التخلف ويستسهل المغرضون الربط زوراً بين ديننا والإرهاب حيناً، وبينه وبين التشدد طوراً، والتخلف والرجعية أطواراً أخرى.

● ‏‫د. بلال عقل الصنديد