تصف الحكومة نفسها، بمستوياتها الإدارية كافة، بالرشيدة، كما يصف النواب الأفاضل، أنفسهم، برجاحة التشريع، وكفاءة الرقابة، ونظافة اليد، والفضيلة. أما مدى انطباق تلك الصفات على الموصوف، فذلك علمه عند الله.

إلّا أن الحقيقة، وهي الكاشفة للرشيدة والفاحصة للفضيلة، تصبح غائبة وسط الزحام والفوضى.

Ad

عادة ما يبدأ الخبر بالقول "أعلنت الحكومة الرشيدة…" إلى آخره. ويبدأ الخبر الآخر بـ "أعلن النائب الفاضل…" إلى آخره.

بطبيعة الحال هناك في المجتمع من غير النواب، ومن غير أركان الحكومة، مَن يدّعي الفضيلة والرشد في آن واحد، جامعاً المجد من كلّ أطرافه. ولئن كانت الحكومة والنواب يخضعون لرقابة ما، فأولئك النفر لا رقابة عليهم من أي نوع.

تلك الصفات توقع المجتمع في حيرة؛ فإن كانت قيادتنا السياسية، والوجوه البارزة، رشيدة أو فضيلة بحق، فما هو تفسير الحالة العليلة التي يعانيها المجتمع؟ كذلك الذي يقول إنه يدير 12 جهازاً رقابياً لمكافحة الفساد، وينتهي الأمر به إلى السجن بتهمة الفساد.

فإن كان ذلك يعني أنه لا علاقة لتلك الأجهزة والشخصيات بالرشد وحُسن الإدارة والفضيلة، فمن المفترض عليهم أن يتوقفوا عن استخدام تلك الصفات، فقد يكون في ذلك شبهة التصريح بأنباء كاذبة أو مضللة، وهي أفعال مُجرّمة، حسب القوانين المقيدة للحريات، والتي يقبع بسببها أشخاص كثيرون في السجن أو المنفى، وكانت أغلب معاناتهم بسبب رشد تائه وفضيلة مدّعاة.

لا أعرف إن كان يحق لإنسان التقدم للمحكمة بكتاب يطالب فيه بعدم أحقيّة أحد، حكومة كانت أم نواباً أو غيرهم من الشخصيات العامة، بإسباغ صفة الرشيدة والفضيلة على نفسه، إلّا بإثبات ذلك بحُسن الأداء، وفعالية الإنجاز، ونظافة اليد، كما هي الحال مع مدعي شهادات لا يملكونها.

حتى يأتي ذلك الزمان، الذي ننعم فيه بأداء أفضل، سنظل تحت كنف الادعاء بالرشد والفضيلة كـ "بيض الصعو" نسمع به ولا نراه.

أ.د. غانم النجار